الترجمة اللّاتينيّة للكتاب المقدّس – الفولجاتا من العقليّة البـابليّة إلى المنارة البيبليّة
(محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 27/10/2017)
- الأب الدكتور ريمون هاشم، راهب انطوني، يحمل درجة علمية في التاريخ ودكتوراه في العلوم العلوم الدينية. ركزت أطروحته على الكتاب المقدس وعلم التواصل. وهو عضو في الرابطة الكتابية، ويشغل حاليًا منصب مدير فرع البقاع للجامعة الانطونية.
“وكلمة الله حيّة فاعلة، أمضى من كلّ سيف له حدّان. تنفذ في الأعماق إلى ما بين النفس والروح والمفاصل ومخاخ العظام، وتحكم على خواطر القلب وأفكاره” (عب 4: 12) من الترجمة المشتركة.
لا أظنّنا نختلف حول قيمة هذه الآية من الرسالة إلى العبرانيّين في نقلها للتعبير الأشدّ بلاغة عن قيمة الكلمة الإلهيّة ولمفاعيلها في الذات الإنسانيّة. من هنا فإنّ خبر البشارة الذي ينقل هذه الكلمة من جيل إلى آخر ومن لغة إلى أخرى كان ولا يزال عرضة للامتحان والتمحيص وذلك على ضوء المخطوطات التي دوّنها الكتّاب الأصليّون والتي باتت تعدّ منذ القرون الأولى للنشأة المسيحيّة المقياس الحقيقيّ والوحيد لسائر الكتابات المعنونة تحت صيغة الكتاب المقدّس.
تستعيد هذه المحاضرة تاريخيّة نشأة الفولجاتا اللّاتينيّة – وهي دعوني أقول إحدى أبرز الترجمات المعروفة قديمًا للكتاب المقدّس بعهديه وربما الأكثر جدلاً – وذلك بسبب بقائها على مدى أكثر من ألف سنة ترجمة معروفة وموثوق بها للأسفار المقدّسة لدى المجتمع الغربيّ الأوروبيّ على مستوى واحد مع اللّغات الأصليّة للكتاب المقدّس العبريّة منها للعهد القديم واليونانيّة للعهد الجديد ومع الترجمة السبعينيّة باللّغة اليونانيّة طبعًا. سنتطرّق تفصيلاً إلى تاريخ نشأة الفولجاتا والظروف التي أحاطت بها وأهمّ المراحل والعراقيل التي واجهتها في تطوّرها إلى حين بلوغها وجهها الحاليّ وسيكون عرضنا تاريخيًّا يسرد كافّة الأحداث التي رافقت تكوين الفولجاتا دون الانحيازيّة في تسطير الفوائد ودون اتّباع مبدأ التبرير أو التبريء في عرضنا للإشكاليّات، فالهمّ الأكبر بالنسبة لنا يجب أن يبقى الجهوزيّة الدائمة للخروج من حلقة الدوران حول الذات في تقصّينا للحقائق الإلهيّة والانفتاح على إمكانيّة تمتّع الآخر بمصداقيّة التعليم وبمفاتيح المعرفة وعلى دور الروح القدس الفاعل والمستمرّ في تصويب اعوجاجنا أينما حلّ وفي تنوير عقولنا على مقاصد الله فينا.
حوالي منتصف القرن الأوّل للميلاد بات بإمكاننا الحديث عن وجود مسيحيّ واسع النطاق في مدينة روما، وهؤلاء المسيحيّون الرومان هم – بتوافق علميّ كبير -ذو أصل يهوديّ كانوا مقيمين في روما وقد تعرّفوا إلى المسيحية إثر زيارتهم لمدينة أورشليم، ربّما إبّان العنصرة، بحسب أعمال 2: 1- 12، الزمن التأسيسيّ للكنيسة الأولى[1] .هذا يدفعنا إلى القول طبعًا بأنّ الانتشار الكبير للجماعات المسيحيّة الأولى في الأوساط الرومانيّة قد ولّد حاجة ماسّة لإنتاج نسخ لاتينيّة للنصوص البيبليّة تكون في متناول المسيحيّين الذين يجهلون اليونانيّة وهي لغة النصوص الأصليّة للعهد الجديد وللسبعينيّة، خصوصًا وأنّه بدايةً في أفريقيا الشماليّة ومن ثمّ في إسبانيا وغيرها من البلدان باتت اللّاتينيّة اللّغة الشعبيّة المنتشرة كبديلٍ عن اللّغة اليونانيّة وأكثر تداولاً منها[2]. ابتداءً من القرن الثاني للميلاد، تكوّنت مجموعة واسعة من النصوص اللّاتينيّة مشكّلة ما بات يعرف بالنسخة اللّاتينية القديمة للكتاب المقدّس أو الــ “فيتيس لاتينا”، وقد أطلق ذلك مرحلة من الترجمات اللّاتينية المتنوّعة ولكن غير الدقيقة أحيانًا كونها لم تكن خاضعة لمراقبة السلطة الدينيّة[3].
يبدو أنّ أفريقيا هي الموطن الأصليّ للترجمة اللّاتينيّة الأولى نستدلّ على ذلك من كتابات القدّيس كيبريانوس، أسقف قرطاجة في منتصف القرن الثالث ومن النسخ الإفريقيّة للكتاب المقدّس ذات المضمون القريب من النسخة البدائيّة. ويبدو أنّه بوصول هذا النصّ إلى الغرب إبّان القرن الثالث فقد تفاعل مع النمط الشفهيّ الذي كان سائدًا في الأوساط الأوروبيّة ولا سيّما في إيطاليا، ممّا أدّى إلى منتوج الــ “فيتيس لاتينا” الأوروبيّة إبّان القرن الرابع ميلادي وقد خضع هذا النصّ إلى أعمال التنقيح والتصحيح التي طالت الشكل كما المضمون كما وقد حرص المترجمون على الأخذ بعين الاعتبار نصوص السبعينيّة التي نُفّذت في الإسكندريّة وفي إنطاكية في عملهم على الصياغة اللّاتينية. عند هذه المرحلة، بات لدينا مجموعات عديدة من النصوص المترجمة إلى اللّاتينية والمختلفة فيما بينها، ومع ذلك فقد كانت تتمتّع بنقاط مشتركة عديدة أبرزها كونها جميعها مترجمة بصورة حرفيّة على عكس الأسلوب اللاتينيّ (Interpretatio) الذي يصوّره لنا شيشرون والذي كان رائدًا في ذلك الزمان ويقتضي ترجمة المعنى بشكلٍ عامّ لا التركيز على نقل حرفيّ للمفردات. من جهة أخرى، تتمتّع هذه النصوص بخاصّيّة لغويّة مختلفة عن اللّاتينيّة الكلاسيكيّة استوجبت ذلك متطلّبات الترجمة الحرفيّة من جهة والحاجة لتبسيط اللّغة حتّى تكون في متناول العامّة من جهة ثانية. أضف إلى ذلك ما تضمّه هذه النصوص على نحوٍ جامع أيضًا في سياق ترجمتها للعهد القديم من إضافات نصّيّة ذات النفحة المسيحيّة وذلك على نسق الترجمة السبعينيّة[4].
تنضوي إذًا نسخ عديدة مترجمة من اليونانيّة إلى اللّاتينيّة إبّان القرون الأولى تحت إطار تسمية الــ فيتيس لاتينا وقد تمّ حفظ بعضها ضمن مخطوطات للكتاب المقدّس وفي كتابات آباء الكنيسة كما وفي اللّيتورجيا المسيحيّة؛ تبرز أهمّيّة هذه النصوص في كونها تعكس الوجه التاريخيّ للكنيسة الأولى ونمط تداول وتناقل النصوص المقدّس الذي كان سائدًا في حينها، كما وأنّ معظم نصوص اللّاتينيّة القديمة هي في الواقع ترجمات لمخطوطات يونانيّة لم تعد متوفّرة الآن. إنّ النسيج اللّغويّ والتاريخيّ لهذه النسخ يُوفّران لنا معلومات غنيّة حول الخلفيّة الاجتماعيّة للجماعات المسيحيّة الأولى وحول الانتشار المسيحيّ للكنائس الأولى. وعلى الرغم من المراحل التي مرّت بها هذه النصوص في عمليّة تناقلها من جيل إلى آخر، فلولا أنّ الشريحة الأولى منها قد تركت لنا شهادة حيّة وفريدة عن الكتاب المقدّس ولا سيّما العهد الجديد منه، لكنّا أضعنا آثار هذا الإرث التاريخيّ والروحيّ[5].
ممّا تقدّم إذًا نستنتج بأنّ المحرّك الأساس للترجمات الأولى إلى اللّغة اللّاتينيّة كان الحاجة الماسّة إلى جعل نصّ الكتاب المقدّس في متناول عامّة الشعب، ولو لم يكن ذلك لظلّت البشارة محصورة ضمن الجماعات التي تُتقن اللّغة الأصليّة لنصوص العهدين الجديد والقديم. ولم يكنْ طبعًا في الحسبان حماية المخطوطات الأصليّة من الفقدان أو الذوبان من خلال المنتوج اللّاتينيّ كما سبق ومرّ معنا – هذا لا يعني طبعًا بأنّنا قادرين بشكل علميّ بحت على إعادة بناء هذه النصوص الفريدة من خلال الترجمات اللّاتينيّة القديمة والمتوفّرة، بل تبقى جميع المحاولات في دائرة الفرضيّة خصوصًا في خضمّ هذا الكمّ من التباين بين النسخ العديدة، ولكن بوسعنا أن نفهم بأنّ الهدف الجوهريّ لم يكن الخروج بنصٍّ دقيق خالٍ من المغالطات بقدر ما كان نشر البشارة على نطاقٍ واسع لتطال الشريحة الأكبر من المسيحيّين الجدد.
ومع ذلك وفي بداية القرن الرابع، لم يعد الظرف الأوّليّ للترجمة اللّاتينيّة حاكمًا بأمره وذلك مع الانتشار الواسع للدياسبورا المسيحيّة، إنّما بات المحرّك لترجمة لاتينيّة جديدة ومُوَحَّدة إخراج النصّ المقدّس من دوّامة المفارقات المنتشرة بين الترجمات اللّاتينيّة الأم والخروج بترجمة مرجعيّة تتوخّى الدقّة والبحث العلميّ والتمحيص اللّغويّ لتلبية المعنى الأصلي بهدف أن يُصار إلى إنتاج نصّ لاتينيّ للكتاب المقدّس يكون بمثابة كلمة فصل في المقاربة مع النصوص الأصليّة، وهنا طبعًا برز اسم القدّيس جيروم.
تبوّأ القدّيس إيرونيموس – أو جيروم ( 347- 420 م تقريبًا ) – مرتبة رفيعة لا نظير لها في تاريخ النصوص اللّاتينيّة للكتاب المقدّس وقد اشتُهر بفعل براعته في الترجمة والتفسير الكتابيّ وإلمامه بالعبرانيّة فأثّر هذا الأمر على الانتشار الكبير لعمله؛ ومع ذلك لا ينبغي علينا الخلط ما بين النصّ الذي وضعه القدّيس جيروم وما بين ما بات يعرف بالفولجاتا اللّاتينيّة وأنّ المنتوج النهائيّ والذي اتّخذ صفة القانونيّة في القرون الوسطى يتضمّن مزيجًا من النسخ العائدة إلى القدّيس نفسه ومن ترجمات لاتينيّة أخرى بلغت إلى هذا الحدّ الزمنيّ فشكّلت واحدًا مع الترجمة الهيرونيميّة (نسبةً إلى القدّيس جيروم) وهذا ما سنعرضه فيما يلي.
حوالي سنة 382، وصل القدّيس جيروم إلى روما بدعوة من البابا داماسوس الأول (366-384 م) حيث قام خلال فترة إقامته بمراجعة الأناجيل ضمن نسخة الــ فيتيس لاتينا، وكان ذلك نقطة انطلاق عمل جبّار تميّز فيه بـمراجعة دقيقة للكتب المقدّسة وبترجمات مختلفة فشمل نشاطه ثلاثة أبعادًا:
بالدرجة الأولى، في ظلّ انتشار قراءات مختلفة للنصّ اللّاتينيّ القديم وبطلب مباشر من البابا داماسوس، قام القدّيس جيروم بمراجعة الأناجيل الأربعة بالمقارنة مع بعض المخطوطات اليونانيّة، ولا تزال قيد الدرس عمليّة تحديد المصادر اللّاتينيّة واليونانيّة التي استند إليها القدّيس كمرجعيّة مقياسيّة لتقييم النصوص التي وُضعت بين يديه مع العلم أنّه من المرجّح اعتماده للمخطوطة الفاتيكانيّة. في تلك المرحلة أيضًا قام القدّيس جيروم بـمراجعة المزامير الرومانيّة التي كانت تُشكّل جزءًا من اللّيتورجيا في مدينة روما وذلك بالاستناد إلى السبعينيّة، وقد اعتُمدت هذه المزامير في إيطاليا بشكل عامّ حتّى عهد بيوس الخامس (1566) وفي البندقية أو venice وميلان، وهي لا تزال معتمدة حتّى يومنا هذا في بازيليك القدّيس بطرس في روما[6].
من جهة ثانية، عقد القديس جيروم وذلك إبّان تأسيسه لدير في بيت لحم سنة 389 على قراءة ثانية لسفر المزامير مستفيدًا من ترجمة الهكسابلا التي قام بها العلّامة الشهير ـأوريجانوس (185- 254 م تقريبًا) وقد عُرفت بالنسخة “الجاليكانيّة” . ثمّ في قراءة ثالثة للسفر عينه، وضع جيروم مزامير الــHebraeos” “juxtaمن خلال عودته هذه المرّة إلى النصّ العبريّ للعهد القديم مُبرّرًا في ذلك الحين اختياره للعبريّة على حساب النسخة السبعينيّة التي تُقدّمها الكنيسة على أنّه ضرورة لتمكين المسيحيّين من نصّ يكون على مستوى مواجهة اليهود الذين يطعنون بمصداقيّة كلّ كلمة. كانت هذه العودة النوعيّة إلى النصّ العبريّ نقطة تحوّل بدأ فيها القدّيس جيروم مسيرة لا يُستهان بها لإعداد نصّ لاتينيّ للكتاب المقدّس بالعودة إلى الجذور العبريّة والتي بدأها[7] عام 392.[8]
كان تعلّم اللّغة العبريّة على صعوبتها بالنسبة للقدّيس جيروم بمثابة عالم مثير ورؤية جديدة للأمور جعلته يتوثّب من الإطار المُوحّد الذي كانت تُقدّمه السبعينيّة ليقف على ما قدّمته له القراءة العبريّة للعهد القديم فوجدها موثوقة ونالت الــ Hebraica Veritas أو الحقيقة العبريّة أكثر فأكثر احترامه كما كان الأمر مع العلامة أوريجانوس من قبله الذي كان أوّل من خصّ النصّ العبريّ باهتمامه من بين العلماء المسيحيّين الأُول؛ ومع ذلك فقد تخطّى جيروم أوريجانوس في تسليطه الضوء على شرعيّة النصّ العبريّ وعلى إعطائه دورًا مركزيًّا وأولويّة كمرجعيّة خاصّة وانكبّ على ترجمته بأكمله على مدى ستّ عشرة سنة بدءًا بصموئيل وملوك والمزامير العبرانيّة، الأنبياء وأيّوب (390- 394)، ثمّ عزرا، نحميا وأخبار (394- 395)، أمثال، نشيد الأناشيد وسفر الجامعة (398)، وأخيرًا أسفار موسى الخمسة (تكوين، خروج، لاويّين ،عدد، تثنية) وسفر يشوع وراعوث وقضاة واستير (398- 402). ومن ثمّ حوالي سنة 407، أنهى سفريْ طوبيّا ويهوديت وذلك بعد أن استخدم مترجمًا نقل إليه شفويًّا النصوص من الآراميّة إلى العبريّة ليتمكّن بدوره من نقلها إلى اللّاتينيّة. أمّا بالنسبة لسائر أسفار العهد القديم (حكمة، يشوع بن سيراخ، الجامعة، باروك والمكابيّين) فقد حافظت على لغتها اللّاتينيّة القديمة دون المساس بها إنْ من قبل القدّيس جيروم أو غيره من المترجمين وقد دخلت كتابات أخرى (Le livre d’Esdras, Prière à Manassé, L’Épître aux Laodicéens) إلى جانب المجموعة في تكوين ما بات يُعرف لاحقًا بنصّ الفولجاتا[9].
ظلّت مسألة مراجعة القدّيس جيروم للعهد الجديد بأكمله أمرًا مُسلّمًا به وذلك حتّى العقود المبكّرة من القرن الحالي، أمّا اليوم فنحن أمام شبه إجماع علميّ بأنّ عمل جيروم في نصوص العهد الجديد إقتصر على الأناجيل في الوقت الذي لم تُحسم فيه بعد مسألة أصل سائر الأسفار المكوّنة أيضًا لجسم الفولجاتا وإن كانت تتبع نهج جيروم أي مراجعة النصّ اللّاتينيّ القديم عن المخطوطات اليونانيّة؛ هنالك عدّة طروحات حول هذه النقطة نشير فقط إلى ما صرّح به فريق من العاملين على نسخة الــ فيتيس لاتينا من كون هذه الأسفار هي ثمرة مراجعة قام بها Rufinusالسوري في أواخر القرن الرابع؛ وصل إلى روما سنة 399 وقد كان أحد تلاميذ القدّيس جيروم في بيت لحم حوالي سنة 398، وبعد زمن قصير من وصوله إلى روما، نُشرت الرسائل البولسيّة ضمن الفولجاتا وتبعتها سائر أسفار العهد الجديد ممّا يجعل الرابط طبعًا وثيقًا، ولكن في كلّ الأحوال تبقى هذه المسألة ضمن إطار الفرضيّة على الرغم من نطاق تقبّلها الواسع[10].
على الرغم من عدم تتميم أساس مشروع القدّيس جيروم، أي تنظيم نصّ لاتينيّ موحّد يُغني عن سائر الترجمات اللّاتينيّة المتنوعّة، إذ استمرّت نسخ الــ فيتيس لاتينا بالانتشار جنبًا إلى جنب مع خليفتها الأكثر حداثة، غير أنّ مساهمة جيروم كانت وثبة عملاقة بسبب تعلّقه بالنصّ العبريّ ونقله بأمانة ودقّة إلى لغة شعبيّة أرادها في متناول العامّة وفي الوقت عينه أرادها لغة رفيعة تليق بقدسيّة النصّ وقيمته الدينيّة.
امتاز أسلوب القدّيس جيروم في نقله إلى اللّاتينيّة عن العبريّة بعدّة خواصّ أهمّها: وضوحه في عرض المعنى فهو الوحيد من بين قدامى الكتّاب الذي كان متمكّنًا من إبلاغ المعنى بكلّ دقّة على الرغم من حكم البعض عليه بأنّه لاهوتيّ مسيحيّ أكثر منه ناقد نصّيّ خصوصًا في نقله للفقرات المسيحانيّة؛ أيضًا أمانته في الترجمة إذ كان يمقت انتقاء تعابير لاتينيّة هشة تُضيّع على المفردة العبريّة قيمة معناها الحقيقيّة ممّا كان يدفعه للّجوء إلى سائر النسخ كمِثل السبعينيّة (زك 14: 20)، ونسخة سيماخوس (تك 14: 1) وغيرها؛ أضفْ إلى ذلك كلّه الأناقة في التعبير اللّغويّ من حيث نقل الصيغ العبريّة الجامدة إلى الصيغة اللّاتينيّة المناسبة، وتقصير الجمل العبريّة الطويلة والتعبير عن المفردة العبريّة ذاتها بكلمات لاتينيّة مختلفة ولو في السيّاق النصّيّ عينه. هذه الميزات العامّة للنصّ التي اتصّفت بها الترجمة الهيرونيميّة نجدها بنسب متفاوتة بين الأسفار المترجمة[11].
إنّ تفضيل القدّيس جيروم للنصّ العبريّ للعهد القديم دفعه إلى الالتزام بترجمة الأسفار القانونيّة الأولى وتركه جانبًا لمعظم النصوص التي دخلت في خانة تسمية الأسفار القانونيّة الثانية، هذا الموقف لجيروم كان ولا يزال عرضة للتساؤلات: هل نكر جيروم على هذه النصوص قدسيّتها الملهمة حينما قرر فصلها عن المجموعة التي ترجمها؟ لن ندخل كثيرًا في حيثيّات هذا الموضوع بسبب تشعّبه ولسنا في صدد إثبات أو دحض قانونيّة الأسفار التي خلقت جدلاً منذ القرون الأولى وحتّى القرون الوسطى التي حدّدت فيها الكنيسة الكاثوليكيّة وبشكل نهائيّ الصيغة القانونيّة للكتاب المقدّس، ولكن بوسعنا اختصار المسألة ضمن معادلة بسيطة: ما حضنته السبعينيّة وتخلّى عنه النصّ العبريّ أعطاه القدّيس جيروم اهتمامًا ثانويًّا.
يبدو استنتاجنا هذا منطقيًّا للوهلة الأولى لأجل الأمانة الشديدة التي كان القدّيس جيروم يكنُّها للنصّ العبريّ الذي اختاره مرجعًا له في تكوينه لنصّه اللّاتينيّ ولكنّه استنتاج مبسّط للغاية يوحي بأنّ تخلّي جيروم عن تلك الكتب كان ظرفيًّا أو محكومًا باختياره الأوّل، ومع ذلك فإنّ المقدّمات التي وضعها لكتبه المترجمة والرسائل التي تبادلها مع غيره من الكتّاب واللّاهوتيّين تشير بأنّ موقفّه التاريخيّ من هذه النصوص كان متناقض الأبعاد إذ يُظهره في بعض الأحيان رافضًا لشرعيّة هذه الكتب وفي أحيان أخرى متيقّنًا لقيمتها الروحيّة بل إنّه ذهب إلى حدّ الاستشهاد بها. لن نتوسّع في هذه النقطة طويلًا إنّما سنمرّ على أبرز المحطّات التي تعكس نسق تعاطي القدّيس مع ما فاض في السبعينيّة عن مخزون النصّ العبريّ.
بدايةً لا نجد كلمة ما يسمّى بالعربيّة الأسفار القانونيّة الأولى والأسفار القانونيّة الثانية أو ما يُعرف بالفرنسيّة بالــ Protocanoniques والــ Deutérocanoniques قبل عام 1566 إذ إنّ أوّل من حشد لهاتين التسميتين كانSixtus de Sienne [12] في مجلّدهBibliotheca Sancta ، وقد اعتُمدت هاتان الصفتان منذ ذلك الحين. على أثر رسالة بعث بها القدّيس أوغسطينوس إلى القدّيس جيروم [13](Ep.71) يتمنّى فيها عليه أن يتمّم النصّ اللّاتينيّ بالعودة إلى النصوص القانونيّة للسبعينيّة، يردّ جيروم برسالة [14](Ep. 75) يدافع فيها عن النصّ العبريّ؛ وفي مقابل ذلك أيضًا نجده جازمًا في موقفه ضمن المقدّمة التي وضعها لسفر الملوك يعلن فيها بشكل واضح بأنّ مقدّمته هذه هي مظلّلة لكافّة النصوص التي ينقلها من العبريّة إلى اللّاتينيّة نستدلّ بواسطتها بأنّ كلّ ما هو خارج عنها يندرج في خانة الأبوكريفا[15]. أمّا في المقدّمة إلى كتب سليمان، فيصرّح جيروم ما مفاده بأنّه ينتهج موقف الكنيسة التي تقرأ نصوص يهوديت وطوبيّا والمكابيّين دون أن تقتبلها ضمن الكتابات القانونيّة، ويعتبرها بدوره مفيدة لتقوية المؤمنين لا كمرجعيّة لتأكيد عقائد كنسيّة.[16]
من جهة ثانية وعلى الرغم من دفاعه عن النصّ العبريّ، لم يتوانَ جيروم عن تلبية طلب بعض الأساقفة لترجمة نصّيْ طوبيّا[17] ويهوديت[18] مُضمّنًا في مقدّمتيه لهذين النصّين امتثاله لرغبتهم في ترجمة لاتينيّة لهذه النصوص فيوضح مثلًا في المقدّمة إلى يهوديت بأنّه بينما صنّف اليهود هذا الكتاب بالأبوكريفا، أعلنه مجمع نيقيا جزءًا من الكتابات المقدّسة ممّا حدا به إلى الانصياع لتلبية طلب المسؤولين بترجمته ممّا يعكس طبعًا ليونةً في الموقف واستعدادًا لتبنّي الرأي الكنسيّ إذا ما تمّ حسم النقاش حول هذه النصوص. وفي الوقت ذاته، نجد جيروم يقتبس من النصوص نفسها التي صنّفها بالأبوكريفيّة باحترام ملحوظ وحتّى ككتابات مقدّسة مقلّدًا إيّاها قيمة قيمة إكليزيولوجيّة وتداولًا قانونيًّا[19]. نجد أمثلة على ذلك ضمن الرسالة التي وجّهها جيروم إلى أوستوكيوم حيث يقتبس من سيراخ (سي 13: 2)[20] وضمن الرسالة إلى بولينوس حيث يقتبس من الحكمة (حك 4: 9)[21] ثمّ ضمن الرسالة إلى أوسيانوس حيث يقتبس من سفر باروك (با 5: 5)[22].
في بداياتها إذًا لم تنعمْ ثمرة عمل القدّيس جيروم بمرتبتها الرفيعة كأعظم إنجاز أدبيّ في ذلك العهد، إنّما كان بابها مشرّعًا على شتّى الانتقادات التي طالت نهج القدّيس الأساسيّ في عودته إلى الجذور العبريّة، لكن مع مرور الزمن وخصوصًا في الغرب بدأ قبول النصّ الذي بات يعرف بتسمية الــفولجاتا بشكل تدريجيّ بين القرنين السادس والتاسع وكان ذلك ذات تأثير ملحوظ ليس فقط على النواحي الدينيّة إنّما أيضًا على الأدب واللّغات الأوروبيّة؛ وقد صرّح القدّيس أوغسطينوس بأنّ اليهود أنفسهم الذين كانوا ينظرون إلى السبعينيّة على أنّها حافلة بالأخطاء اعترفوا بدقّة ترجمة القدّيس جيروم.[23]
ممّا تقدّم ساهم القدّيس جيروم إلى حدّ كبير في تكوين ما بات يعرف بـالفولجاتا وفي ختام عمله كُمّلت سائر نصوص الكتاب المقدّس التي لم تمسّها يد جيروم من نتاج الــ فيتيس لاتينا وتحديدًا أسفار العهد الجديد في ما عدا الأناجيل طبعًا والأسفار القانونيّة الثانية التي لا قرينة عبريّة لها (أي الحكمة، الجامعة، باروك والمكابيين). على الرغم من محافظة الفولجاتا على قيمتها شعبيًّا وفي منظور السلطات الكنسيّة على مدى أكثر من 1000 سنة، فإنّ تداول نسخ الــ فيتيس لاتينا جنبًا إلى جنب مع الفولجاتا أدّى إلى انتشار نسخ مختلفة من الكتاب المقدّس في لغته اللّاتينيّة وانتهى الأمر بإنتاج نصوص غير متجانسة وطبعًا مع تكاثر أعمال النسخ تفاقمت الأخطاء بين النصوص[24].
أمام هذا الواقع، باتت الحاجة ملحّة لإعادة توحيد النصّ، فتدخّل الملك شارلمان عام 797 مستدعيًا ألكوين من مدينة يورك في بريطانيا لتنقيح نسخة من الفولجاتا بالاستناد إلى أفضل المخطوطات. أنجز ألكوين عمله هذا عام 801 وخرج بنصّ رفيع المستوى يمثّل نسخة منقّحة لفولجاتا القدّيس جيروم وانتشرت وتمّ تداولها خلال القرون الوسطى وتمتّعت بسلطة كبيرة. غير أنّ هذا الأمر لم يمنعْ من استمرار معضلة التفاوت بين النسخ وذلك بسبب انعدام وسائل التواصل العالميّة وعدم سهولة نشر النسخة الجديدة على نطاق واسع؛ ومع ذلك فقد تتابعت أعمال المراجعة والتنقيح في عدّة أوساط وقد برزت أسماء عديدة في هذا النطاق ونسخ مختلفة اشتُهر بعضها وانتُقد بعضها الآخر، ولا يسعنا في إطار هذه المحاضرة التوسّع في التفاصيل والتواريخ والأسماء ولكن تجدر الإشارة بأنّه ابتداء من القرن الثالث عشر طرأ تبديل هامّ على نسق مراجعة الفولجاتا حيث باتت التغييرات وأعمال التصحيح تُدرج لا كتعديلٍ على النصّ البيبليّ إنّما على حِدة ضمن مجموعات مستقلّة.
في القرن الخامس عشر، ومع اختراع ماكينة الطباعة الآليّة، ازدهرت الطباعة البيبليّة ودرجت عمليّة تجميع المخطوطات وترتيبها بهدف طباعتها ممّا أفضى إلى سهولة أكبر في التدقيق؛ وهنا برز عمل كلّ من لورنزو فالا ودسيدريوس ايراسموس[25] اللّذين كشفا من خلال ترتيب المخطوطات اليونانيّة احتواء الفولجاتا على عدّة أخطاء نصّيّة. وأمّا مشروع ايراسموس الذي قضى باستبدال النصّ المقدّس للكنيسة الغربيّة بالنصّ اليونانيّ للكنيسة الشرقيّة المنشقّة فقد أثار حفيظة اللّاهوتيين الكاثوليك الذين وجدوا في ذلك تهديدًا مباشرًا من قبل حركة المجدّدين[26]، فجاء الردّ خلال المجمع التريدنتيني الشهير.
إرتأى مجمع ترانت ضرورة الفصل في أمر نسخة الفولجاتا ومجموعة الأسفار القانونيّة الكاملة والنهائيّة خصوصًا في غضون بروز عصر النهضة والبذور الإصلاحيّة التي بدأت مع مارتن لوثر والتي وضعت رهن المساءلة إلى جانب الممارسات العشوائيّة للسلطة الكنسيّة البابويّة من قتل وتعذيب وتكفير وعزل بإسم الدين مسألة النصّ المقدّس في مطالبة لإصلاح ما خلّفه الزمان من تأثيرات على الجوهر الأصليّ للنصّ.
جاءت المساءلة العلميّة للكتاب المقدّس كثمرة التناغم بين حركتَيْ النهضة والإصلاح فوُضعت نسخة الفولجاتا بحسب الشكل الذي وصلت إليه في موقع مقارنة مع سائر النسخ التي كانت سائدة في ذلك الحين باللّغات اللّاتينيّة والعامّيّة واليونانيّة والعبريّة ممّا أدّى إلى جعل مادّة الكتابات المقدّسة على لائحة البحث ضمن المجمع التريدنتيني (13 كانون الأول 1545- 4 كانون الأول 1563) الذي دعا إلى انعقاده البابا بولس الثالث. باختصار شديد شدّد المجمع التريدنتيني على تعلّق الكنيسة بنسخة الفولجاتا القديمة العهد وتمّ إعلان الكتاب المقدّس والتقليد المقدّس كمصدرين صحيحين للإيمان الكاثوليكيّ وإعلان الحقّ الحصريّ للكنيسة في تفسير كلمة الله، وعلى أثر ذلك أيضًا بات الحديث عن ما سُمّي بالإصلاح الكاثوليكيّ أو بـالإصلاح المُقابل – بالفرنسيّة .La contre-réforme catholiqueوفي 8 نيسان 1546 أعلن مجمع ترانت ترجمة الفولجاتا ترجمة رسميّة مُعتمَدَة للكنيسة الكاثولوكيّة مانحًا إيّاها صفة رسميّة وذلك دون رفض أو إقصاء للترجمة السبعينيّة أو للّغات الأصليّة للكتاب المقدّس، العبريّة واليونانيّة، وكان المجمع جذريًّا في إقراره هذا مُلزمًا الاعتراف بجميع الكتب المؤلٍّفة لجسم الفولجاتا دون أيّ تمييز تحت طائلة الحرم الكنسيّ.
على الرغم من النتائج المؤلمة للخلافات العقائديّة التي أدّت إلى الشرخ في الجماعة الكنسيّة، أسّس مجمع ترانت لمحاولات جدّيّة ورأي متّحد بين آباء الكنيسة بضرورة إصدار نسخة منقّحة وموحَّدَة للفولجاتا مؤهَّلة للخوض في المواضيع الجدليّة، ولكنّ الآراء تفاوتت بين تأييد لمراجعة جذريّة للنصّ بالعودة إلى النصوص العبريّة واليونانيّة وبين إنتاج نسخة منقّحة للفولجاتا وتطويرها إلى أفضل حال[27]. وبات التوافق سائدًا حول وجود المغالطات والأخطاء دون أن يطعَن ذلك في مصداقيّة النصّ وفي قيمته وفي سلامته العقائديّة. تأخّر إنتاج هذه النسخة المنتظرة حتّى سنة 1590 في عهد البابا سيكستس الخامس الذي تكفّل شخصيًّا بهذا العمل ثمّ خضعت النسخة السيكستينيّة إلى المراجعة والتصحيح من قبل البابا غريغوريوس الرابع عشر والبابا إكليمنضوس الثامن ونالت التصديق الرسميّ من الكرسي الرسولي وباتت نسخة الفاتيكان المُعتمدَة والمفروضة على الناشرين من بعدها[28].
إنّ ما قدّمته هذه النسخة الجديدة هو نصّ متجانس إلى أقصى حدّ مع النصّ الأصليّ للفولجاتا ويحوي جملة من الاقتباسات ضمن التفاسير للقدّيس جيروم وغيره من الكتّاب في القرون الأولى .ومع ذلك فهذه النسخة قد لا تخلو من الأخطاء ولا ينصّ المرسوم الرسميّ الكنسيّ على ذلك كما أنّه لا يحدّ من حريّة المفسّرين أو الدارسين لتسطير المُفارقات واقتراح مواطن التحسين بالاستناد إلى النصوص الأصليّة أو سائر المخطوطات اللّاتينيّة على أن يتمّ ذلك بإشراف السلطة الكنسيّة المختصّة؛ ويبقى الحال التأكيد المطلق على أمانة هذا النصّ من ناحية الإيمان الصحيح والأخلاقيّات والأسس المسيحيّة[29].
نُقلت العديد من الترجمات الإنكليزيّة الكلاسيكيّة عن الفولجاتا كالــRheims Douay – مثلًا ولكنْ في العام 1943 أطلق البابا بيوس الحادي عشر المنشور البابويّ Divino afflante spiritu أو “بإلهام من الروح القدس” يدعو فيه إلى اعتماد الترجمات الجديدة للكتاب المقدّس عن اللّغات الأصليّة بعد أن كانت ترجمة جيروم هي المُعتَمدَة حتّى ذلك الحين. وعلى أثر مجمع الفاتيكان الثاني الذي انعقد خلال الفترة من (1959- 1965) أعيدت ترجمة كلّ من المزامير والعهد الجديد إلى اللّاتينيّة وجرى استعمالها في الليتورجيا. جُمع هذا العمل مع ترجمة للعهد القديم كانت قد بدأت بها مجموعة من الرهبان البندكتيّين بإيعاز من البابا بيوس العاشر سنة 1907 فشكّلت هذه المجموعة ما يعرف بالــNova Vulgata أو الفولجاتا الجديدة، الترجمة الحاليّة التي وافق عليها الفاتيكان في جميع طقوس اللّيتورجيا اللّاتينيّة.[30]
بالنسبة لنا كانت دعوة البابا بيوس الحادي عشر، كما رأينا سابقًا، لجعل اللّغات الأصليّة للكتاب المقدّس المرجع المعتمد لكلّ ترجمة جديدة بابًا مفتوحًا على الحوار والأخذ بالرأي والمناظرات العلميّة فيأتي دور الترجمات القديمة والتقليديّة كالفولجاتا مثلًا مكمِّلاً في طرحه للغةٍ كانت هي الأقرب في عصرها إلى زمن اللّغات الأصليّة وإلى المخطوطات الأصيلة التي فُقد بعضها للأسف فنطلّ من خلالها على حقل اجتماعيّ ثقافيّ وروحيّ ننهل منه ما يُقرّبنا ويجمعنا بذلك الماضي المقدّس الذي نتطلّع إليه جميعنا بإيمان موثوق.
بقدر ما مرّت الفولجاتا بمراحل تنقيح ومراجعة وتطوير من قبل الجسم الكنسيّ بقدر ما كانت أيضًا عرضة للانتقاد الذي طال أصول الترجمة فيها بدءًا كما رأينا بـايراسموس الذي آثر العمل على نصّ جديد أمام ما وجده من مفارقات فلاقى المعارضة والرفض لأجل تعدّيه على نصٍّ كان ولا يزال العمود الفقريّ لإيمان الكنيسة الغربيّة. وفي هذا السياق سنورد بعض الأمثلة بهدف إعطاء فكرة موجزة عن نواحي الخلاف والاختلاف التي طالت في بعض الأحيان العقائد المسيحيّة وسنكتفي في عرض وجهات النظر المتضادّة دون الدخول في التفاصيل التي تستوجب استفاضة بالمعالجة لا تسمح بها حدود هذه المحاضرة. نبدأ بمثل شهير من سفر الخروج، الفصل 34: 29 إذ نقرأ في نسخة جيروم بأنّه على وجه موسى العائد بلوحَي الوصايا نما قرنان، وتستنكر سائر الترجمات هذا التفسير معتنقة الإشارة إلى أنّ وجه موسى كان مشعًّا وهذا ما أخاف الجماعة التي كانت تنتظره.
29“ولما نزل موسى من جبل سيناء، ولوحا الوصايا في يده، كان لا يعرف بأن وجهه صار مشعًّا من مخاطبة الرب له”. (خروج 34: 29- 35) (الترجمة المشتركة)
في العبريّة qāran (קרן“qèrèn.” )[31] لها عدّة معاني من بينها شعاع، يشعّ، وقرن؛ اعتمد جيروم، في ترجمته اللّاتينيّة مفردة cornutaمن cornu أي القرن وقد نحت مايكل انجلو تمثاله الشهير ذو القرنين لموسى طبعًا بالاستناد إلى نصّ الفولجاتا؛ وقد احتمل هذا التعبير جدلاً مع الترجمات الأخرى التي فضّلت تفسير الكلمة بالــ “مشعّ” .هنالك طبعًا عدّة تفسيرات للحالتين، نورد إيجازًا بأنّ الترجمة إلى “مشعّ” استوجبها كون الموصوف (إسم “أنّ”) في هذه الحالة هو بشرة وجه موسى وليس وجهه كما نقرأ مثلاً في بعض الترجمات :
29 ولَمَّا نَزَلَ موسى مِن جَبَلِ سيناء، ولَوحا الشَّهادةِ في يَدِه عِندَ نُزولِه مِنَ الجَبَل، لم يَكُنْ يَعلَمُ أَنَّ بَشَرَةَ وَجهِه قد صارَت مُشِعَّةً مِن مُخاطَبَةِ الرَّبِّ لَه (الترجمة الكاثوليكيّة)
أما بالنسبة إلى ترجمة جيروم، فقد وردت كلمة “قرن” 26 مرة في العهد القديم في إشارة إلى زوايا المذبح المقدّس (مثلاً عا 3: 14؛ ار 17: 1؛ حز 43: 15) ممّا يعني بأنّ جيروم قد اعتمد تفسير القرن لفهمه بأنّ وجه موسى قد تحوّل بفعل لقائه مع الله إلى مذبح [32]. هذا التأويل لا نجده فقط ضمن الأوساط الكاثوليكيّة، إنّما أيضًا لدى المتعمّقين والمتمرّسين في العبريّة، نشير في هذا السياق إلى توماس رومير من الوسط البروتستانتي، بيبليّ ولاهوتيّ وعالم لغة درس العديد من اللّغات ومن بينها العبريّة البيبليّة له مقالة في موضوع خر 34: 29- 35 حيث يرى بأنّ qèrèn، وتعني القرن، هي أصل المفردةQaran التي لا ترد في الكتاب المقدّس في مثل هذه الصيغة الفعليّة سوى في هذه الفقرة من الخروج، وهي توحي بأنّ موسى في عودته الثانية لاستحضار لوحَي الوصايا قد عاد وظهر بقرنين علامة على لقائه القريب وجهًا لوجه مع الإله الحقيقيّ وتأكيدًا على أنّ عبادة العجل الذهبيّ هي تدنيس للإيمان الحقيقيّ؛ وربما كان القرنان – يضيف رومير – علامة على أنّ موسى بقرنيه، وهو أفضل ممثّل عن الله، قد أخذ مقام العجل الذهبيّ المعروف أيضًا بقرنيه[33].
من بين المفردات المترجمة إلى اللّاتينيّة والتي أثارت جدلاً عقائديًّا نذكرΜετανοεῖτε (Metanoeite) )مت 3: 2؛ 4: 17؛ مر 1: 15) التي ترد أكثر من20 مرة في العهد الجديد في صيغها المختلفة، اعتمد جيروم لترجمتها عبارة agitum Pœnitentiam (أعمال التكفير (والتي أسّست لسرّ الاعتراف ضمن العقيدة الكاثوليكية رفضها قبل الزمن الإصلاحيّ لورنزو فالا ومن بعده ايراسموس ولوثر الذين فسّروا معنى الكلمة في اليونانيّة وفي كونها تشير إلى تغيير في الذهنيّة والعودة إلى الذات. بعد عدّة قرون من مراجعة النسخ ومنح الثقة لترجمات جديدة، وعلى ضوء المجمع الفاتيكانيّ الثاني تمّ ـأخيرًا اعتماد المصطلح نفسه والذي نادى به الإصلاحيّون والذي نقرأه في الفعل “توبوا” ضمن نسخنا العربيّة[34].
نذكر أيضًا في هذا السياق ناحية جدليّة عقائديّة أخرى تنامى فيها الاختلاف على الترجمة ضمن الرسالة إلى العبرانيّين (عب 10: 12) والتي أعقبها خلاف حول العقيدة الكاثوليكيّة لسرّ الافخارستيا.
12 وأمّا المسيح فقدّم إلى الأبد ذبيحةً واحدة كفّارة للخطايا، ثمّ جلس عن يمين الله
لا يزال الجدال قائمًا حول فعل موت المسيح على الصليب وإذا ما كان هذا الفعل عملاً في الماضي ذات مفاعيل أزليّة لكلّ مؤمن به أو إذا ما كان احتفالاً، طبعًا بحسب العقيدة المسيحيّة، بـما حقّقه السيد المسيح على خشبة الصليب ولكن طبعًا بطريقة غير دمويّة لأنّ ذبيحة السيّد المسيح الدمويّة كانت واحدة وأبديّة، أمّا المؤمن فهو يختبر مناولةً فعليّة لجسد الربّ ودمِه كلّما احتفل الكاهن بسرّ القربان في شعائر القدّاس. لن ندخل في الجدليّة الحاصلة مع ترجمة الفولجاتا، ولكنْ نختصر لبّ الموضوع في الفرق في منهجيّة ترجمة الصيغة الفعليّة في اليونانيّة (((aoriste grec) προσενέγκας (prosenenkas) بين استعمالها في صيغة الماضي (passé) أو استعمالها في صيغة الحاضر الدائمpresent continu) ).
نستنتج من الأمثلة التي تقدّمت الدور الخطير والجذريّ الذي تلعبه ترجمة النصّ المقدّس في حياة المؤمن المسيحيّ إذ تخطُّ مسيرته الإيمانيّة وتُملي عليه مفاهيمه العقائديّة وشعائره الدينيّة. وقد لفتني في صلب مراجعتي لتاريخ الفولجاتا والإشكاليّات حولها كتاب حديث العهد صدر في السنة الماضية في اللّغة الفرنسية للّاهوتي كريستوف ريكو بعنوان “تُرجمان بيت لحم، عبقريّة التفسير لدى القدّيس جيروم على القياس اللّغويّ”[35] يعالج فيه بطريقة جديدة الأداء الفنّي لترجمة جيروم والتي لا يمكن أن نفهم منطقها والبراعة في تفاصيلها إن لم نضعها في إطارها التاريخيّ والاجتماعيّ .لقد واجه جيروم في تكوينه للنسخة اللّاتينيّة للكتاب المقدّس العراقيل عينها التي تواجه المترجمين الحديثين، وقد عرض ريكو تفصيلاً نجاح جيروم في تخطّيه حواجز اللّغة لخدمة النصّ المقدّس إلى أبعد الحدود وذلك من خلال مراعاته للإطار الساميّ الفلسطينيّ للّغة اليونانيّة الذي يفرض لغة طبوغرافيّة معيّنة ((topolecte ونقله لأساليب الاستعارة، والصيغ الأدبيّة التجميليّة، واحترامه للحقل المعجميّ للّغة المصدر (traduction sourcière)وذلك دون تشويه الحقل المعجمي للّغة الهدف (traduction cibliste)واختياره الحكيم بين الترجمة الحرفيّة الأمينة للنصّ المصدر وبين ترجمة المعنى التي تحترم حدود اللّغة الهدف فتتماهى مع متطلّباتها لتنقل الفكرة لا حرفيّة الصيغ. وقد ذهب الكاتب إلى حدّ المقاربة في نهاية كتابه بين النسخة الهيرونيميّة للفولجاتا ونسخة الــ Nova-Vulgata التي جدّدت على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني وعملت على تحديث ترجمة جيروم فأجْرت بعض أعمال التصحيح.
لا يعتبر ريكو بأنّ فولجاتا جيروم منزّهة كلّيًّا عن الأخطاء ولكنّه يرى تيّارًا سائدًا من سوء الفهم لمنهجيّة تُرجمان بيت لحم أو أمير المترجمين كما يسمّيه فيعرِض لنا في كتابه منطق هذه الترجمة ضمن أمثلة عديدة استقاها من الفولجاتا ناقلاً العبقريّة اللّغويّة التي تَميّز بها جيروم والأمانة الشديدة في المحافظة على الميزة الجوهريّة للّغة المنقولة في العبريّة كما في اليونانيّة .نعرض مقتطفات عن بعض الأمثلة التي عالجها ريكو ونشجّع على قراءة هذا الكتيّب الذي يعطي نظرة متجدّدة لخصوصيّة ترجمة الفولجاتا وأساسها القدّيس جيروم ولأصول الترجمة البيبليّة بشكل عامّ.
اجتهد جيروم في ترجمته في اختيار معنى دقيق للنصّ يراعي البيئة المنشَأْ فنجد بأنّ العديد من تفاسيره تتوخّى الأمانة في نقلها واقع التقاليد اليهوديّة المعاصرة للنصّ. نقرأ مثالاً عن ذلك في يون 4: 6
“فأعدّ الربّ الإله يقطينةً، فارتفعت فوق يونان ليكون على رأسه ظلّ ينقذه من الأذى، ففرح يونان باليقطينة فرحًا عظيمًا”. (الترجمة المشتركة)
يبرّر جيروم ترجمته من العبرية لنبتة ال קִיקָיוֹן (qı̂yqâyôn /kee-kaw-yone’/ ) (اليقطينة في الترجمة العربيّة المشتركة والــ فيتيس لاتينا والخروعة في الترجمة اليسوعيّة الكاثوليكيّة، ونبات الحنظل في السبعينيّة) ترجمها جيروم إلىhedera (lierre في الفرنسيّة) في العربيّة اللّبلاب لانعدام وجود الكلمة المرادفة في اللّاتينية. وشرح في تفسير له حول سفر يونان بـأنّ الــ qı̂yqâyôn هي من أنواع الأشجار المتسلّقة ذات الأوراق العريضة التي تشبه العريشة تنمو بسخاء في فلسطين وخصوصًا في الأراضي الترابيّة يميّزها نموّها السريع إذ ما إن تُنثر بذرتها في الأرض حتّى ترتفع سريعًا لتتحوّل إلى شجرة وقد عبّر جيروم عن أنّ رغبته الأولى كانت المحافظة على اللّفظة العبريّة لانعدام مرادفها في اللّاتينية والمحافظة على أمانة النصّ لكنه عادّ واعتمد بعد ذلك نصّ المترجمين الأقدمين في اختياره لــ .[36]hedera
في مثل آخر يظهر ريكو التزام جيروم بـحرفيّة النص في أمانة كاملة للّغة المصدر حيثما تتمكّن الصيغة اللّاتينيّة من تسطير الدقّة في المعنى (مت 24: 22؛ مز 95 (94): 11)[37] ومن جهة أخرى تيقّنه لإجحاف الترجمة اللّاتينيّة الحرفيّة في بعض الأحيان في نقل الصورة الحقيقيّة فيبتعد إذ ذاك عن الترجمة الحرفيّة ويعدّل في الصيغة من أجل خدمة المعنى ضمن اللّغة الهدف؛ نجد مثال ذلك في يو 1: 15 حيث ينقل الصيغة الفعليّة التي تعكس الحاضر القريب في اليونانيّة من خلال استعمال فعل أو صيغة في اللّاتينيّة تدلّ على المستقبل (كما قولنا في العربيّة مثلًا :الذي يأتي من بعدي “vient” ، والذي سوف يأتي من بعدي “sur le point de venir”[38](
ننقل أخيرًا من كتاب ريكو المفارقة في ترجمة جيروم لرسالة يعقوب 5: 13
“هل فيكم محزون؟ فليصل! هل فيكم مسرور؟ فليسبّح بحمد الله!” )الترجمة المشتركة).
بالنسبة إلى معظم المترجمين الحديثي العهد معنى الكلمة اليونانيّة εὐθυμεῖ واضح وشفّاف ويعني مسرور أو فرح، وهذا المفهوم نفسه نجده في الــ فيتيس لاتينا كما في الترجمات الفرنسيّة العديدة والإنكليزيّة والتي يعدّدها ريكو قبل أن يعطي ميزة الفولجاتا في رسم التناقض لا بين الحزن والفرح إنّما بين حالتين نفسيّتين أشدّ عمقًا وتعبيرًا تطالان الذات الإنسانيّة
Tristatur aliquis vestrum? oret. Æquo animo est? psallat
κακοπαθεῖ τις ἐν ὑμῖν؛ προσευχέσθω· εὐθυμεῖ τις؛ ψαλλέτω.
κακοπαθεῖ اليونانيّة تقابلها اللّاتينيّة Tristatur وهي تعني الشعور الذي يتخطّى الحزن ويوازي الشعور بالابتلاء ويعكس كلّ أنواع الآلام الجسديّة والروحيّة، وهي حالة تستدعي صلاة الطلب. في القُطب المناقِض لا تضع الفولجاتا الشعور بالفرح أو السرور كأسلافها وأخلافها بل تلجأ إلى عبارةÆquo animo est اللّاتينيّة لتعكس المعنى اليوناني في εὐθυμεῖأي من كانت نفسه ساكنة أو نفسه متوازية، ممّا يعطي انطباعًا بالثقة والهدوء الداخليّ والذي يجعل الإنسان يفيض في صلاة التهليل. يعالج ريكو تفصيلًا هذه النفحة البسيطة التي تميّز الفولجاتا في ترجمتها لــ يع 5: 13 وانتقائها الدقيق لهذه المفردات اللّاتينيّة في تفضيل على ما شاع ولا زال شائعًا عامّةً[39].
في الخطّ عينه لكتاب كريستوف ريكو، نحن نجد بأنّ الترجمة البيبليّة المُتقنة تقوم على عمودين أساسيّين، فهي تأتزر أوّلًا بالمحيط الثقافيّ والبيئيّ للّغة المصدر متيقّنة لحقلها المعجميّ ولخصوصيّتها في التعبير ثُمّ تطوّع ذاتها لتخرُج بقالب يحترِم حدود اللّغة الهدف ويُراعي حقلها المُعجميّ الخاصّ وأساليبها في التعبير؛ إنّ هذا التزاوج بين المنقول والمنقول إليه يهدِف إلى توصيل الكلمة الإلهيّة بحرفيّتها إلى أبعد حدود ممكنة من لغة إلى أخرى دون تشويه ودون تعقيد. إنّ إرث الفولجاتا الذي هيمن متفرّدًا على الكنيسة الغربيّة قُرابة العشر قرون كان ولا يزال واعدًا بغناه الروحي كون اللّاتينيّة كانت الأقرب في الزمن من اللّغات الأم غير أنّ تيار النهضة والحركة الإنسانيّة أخرجا لغة الكتاب المقدّس من بناء كاد أن يكون برج بابل ثانٍ فكان الانفتاح على قُرابة الــ 1450 ترجمة للعهد الجديد و قرابة الــ 630 ترجمة للكتاب المقدّس بأكمله دليلاً قاطعًا على أنّ المسيحيّين ليسوا أبناء الحرف بل أبناء الروح والكلمة الإلهيّة نورُ سراج، والسراج لا يوقَد ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع من في البيت.
المراجع
BARKER Henry, “English Bible Versions: A Tercentenary Memorial of the King James Version, from the New York Bible and Common Prayer Book Society”, https://books.google.com.lb/books?id=tRk7FHkAuEAC&pg=PA33&dq=jerome+quotes+from+apocrypha+but+they+did+not+consider+scripture&hl=en&sa=X&redir_esc=y#v=snippet&q=jerome quotes the apocrypha &f=false, retrieved October 21, 2017.
BROWN TKAEZ Catherine, “”Labor Ram Utilis”: The Creation of the Vulgate”, Vigiliae Christianae, Vol. 50, No.1 (1996), pp. 42- 72.
DUNN Matt, “Saint Jerome, the Vulgate, and Our Biblical Heritage”, http://biblestudyforcatholics.com/st-jerome-vulgate-biblical-heritage/, retrieved October 22, 2017.
GANDIL Pierre, «La Bible latine: de la Vetus-latina à la Néo-Vulgate», La tradution de la Bible, Avril –Juillet 2002, N0 99-100, http://www.revue-resurrection.org/La-Bible-latine-de-la-Vetus-latina-a-la-Neo, consulté le 12 Octobre, 2017.
HEWIT A.F., “Some Account of the Latin Vulgate”, Catholic World, Issue 19, Aug. 1881, pp.590-601.
HUGGINS Ronald V., “Acts 2: 38 & Matthew 4: 17: From “Do Penance” to “Repent”: The long road bringing the Roman Catholic translation of the Bible round to agree with Martin Luther”, http://ronaldvhuggins.blogspot.com/2016/01/acts-238-matthew-417-from-do-penance-to.html, retrieved October 22, 2017.
LETIS Theodore P., “The Vulgata Latina as Sacred Text: What did the Council of Trent mean when it claimed Jerome’s Bible was Authentica”, Reformation, (2000), 7:1, P. 1-21.
O’NEAL Sam, “The Early Church at Rome”, www.thoughtco.com/the-early-church-at-rome-363409, retrieved October 11, 2017.
OZOG Monika, “Saint Jerome and Veritas Hebraica on the Basis of the Correspondence with Saint Augustine”, Vox Patrum, 30 (2010), t. 55, p. 511-519.
RICO Christophe, Le traducteur de Bethléem, le génie interprétatif de saint Jérome à l’aune de la linguistique, Lectio Divina, les Editions du Cerf, 2016, 172 p.
.
ROMER Thomas, “The Horns of Moses. Setting the Bible in its Historical Context”, http://books.openedition.org/cdf/3048, retrieved October 22, 2017.
STEINMEULLER, D.D, John E.,”The History of the Latin Vulgate”, https://www.catholicculture.org/culture/library/view.cfm?recnum=7470, retrieved October, 15 2017.
“From Augustine to Jerome (403 AD)”, http://www.newadvent.org/fathers/1102071.htm, retrieved October 20, 2017.
“From Jerome to Augustine (404 AD)”, http://www.newadvent.org/fathers/1102075.htm, retrieved October 20, 2017.
“Jerome, ““Helmeted” Introduction to Kings” (2006), translated by Kevin P. Edgecomb, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_kings.htm , retrieved October 20, 2017.
“Jerome, Prologue to the Books of Solomon” (2006), translated by Kevin P. Edgecomb, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_solomon.htm, retrieved October 20, 2017.
“Jerome, Prologue to Tobit (2006)”, translated by Kevin P. Edgecomb, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_tobit.htm., retrieved October 20, 2017.
“Letter to Eustochium”, Ep. 108, http://www.newadvent.org/fathers/3001108.htm, retrieved October 21, 2017.
“Letter to Paulinus”, Ep. 58, http://www.newadvent.org/fathers/3001058.htm, retrieved October 21, 2017.
“Letter to Oceanus”, Ep. 77, http://www.newadvent.org/fathers/3001077.htm, retrieved October 21, 2017.
“St. Jerome, The Preface on the Book of Judith: English translation”, translated by Andrew S. Jacobs, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_judith.htm, retrieved October 20, 2017.
“The Old Latin Bible”, http://www.vetuslatina.org/, retrieved October 14, 2017.
“Vetus Latina”, http://www.vetus-latina.de/fr/index.html, retrieved October 12, 2017.
[1] Sam O’NEAL, “The Early Church at Rome”, www.thoughtco.com/the-early-church-at-rome-363409, retrieved October 11, 2017.
[2] لنبذة حول تاريخ اللّغة اللّاتينيّة القديمة ونهج تطوّرها راجع http://linguistics.byu.edu/classes/Ling450ch/reports/latin.html
[3] “Vetus Latina”, http://www.vetus-latina.de/fr/index.html, retrieved October 12، 2017.
[4] Pierre GANDIL, « La Bible latine: de la Vetus-latina à la Néo-Vulgate », La tradution de la Bible, Avril –Juillet 2002, N0 99-100, http://www.revue-resurrection.org/La-Bible-latine-de-la-Vetus-latina-a-la-Neo, consulté le 12 Octobre، 2017.
[5]“The Old Latin Bible”, http://www.vetuslatina.org/, retrieved October, 14th, 2017.
[6] John E. STEINMEULLER, D.D.,”The History of the Latin Vulgate”, https://www.catholicculture.org/culture/library/view.cfm?recnum=7470, retrieved October, 15 2017.
[7] تزامن العمل على ترجمة الهكسابلا (386- 392) في مرحلته الأخيرة مع بداية العمل على ترجمة النصّ العبريّ الذي بدأ سنة 390 وامتدّ على فترة قاربت الستّ عشرة سنة (390- 405 /06).
[8] GANDIL, op. cit.
[9] Catherine BROWN TKAEZ, “Labor Ram Utilis”: The Creation of the Vulgate”, Vigiliae Christianae, Vol. 50, No.1 (1996), 50-51.
[10] المرجع نفسه، 52-53.
[11] STEINMEULLER، op. cit.
[12] سيكستس دي سيين (1520- 1569) هو يهوديّ اعتنق المسيحيّة وأصبح لاهوتيًّا كاثوليكيًّا،.له مجلّد من ثمانية كتب يعالج فيها حياة ملافنت الكنيسة وكتاباتهم ويعرض فيها الأصالة العلميّة لترجمة الكتابات المقدّسة وتفسيرها ويعرض لائحة مفصّلة وكاملة لمفسّري الكتاب المقدس.
“Bibliothèque Sacrée des principaux auteurs de l’Église “, “Sixtus de Sienne”, https://fr.wikipedia.org/wiki/Sixte_de_Sienne#cite_note-4, consulté le 20 Octobre, 2017.
[13] “From Augustine to Jerome (403 AD)”, http://www.newadvent.org/fathers/1102071.htm, retrieved October 20، 2017.
[14] “From Jerome to Augustine (404 AD)”, http://www.newadvent.org/fathers/1102075.htm, retrieved October 20, 2017.
[15] “Jerome, “Helmeted” Introduction to Kings” (2006), translated by Kevin P. Edgecomb, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_kings.htm , retrieved October 20, 2017.
[16] “Jerome, Prologue to the Books of Solomon” (2006), translated by Kevin P. Edgecomb, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_solomon.htm, retrieved October 20, 2017.
[17] “Jerome, Prologue to Tobit (2006)”, translated by Kevin P. Edgecomb, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_tobit.htm., retrieved October 20، 2017.
[18] “St. Jerome, The Preface on the Book of Judith: English translation”, translated by Andrew S. Jacobs, http://www.tertullian.org/fathers/jerome_preface_judith.htm, retrieved October 20, 2017.
[19] Henry BARKER, “English Bible Versions: A Tercentenary Memorial of the King James Version, from the New York Bible and Common Prayer Book Society”, https://books.google.com.lb/books?id=tRk7FHkAuEAC&pg=PA33&dq=jerome+quotes+from+apocrypha+but+they+did+not+consider+scripture&hl=en&sa=X&redir_esc=y#v=snippet&q=jerome quotes the apocrypha &f=false, retrieved October 21, 2017.
[20]“Letter to Eustochium”, Ep. 108, http://www.newadvent.org/fathers/3001108.htm, retrieved October 21, 2017.
[21] “Letter to Paulinus”, Ep. 58, http://www.newadvent.org/fathers/3001058.htm, retrieved October 21, 2017.
[22] “Letter to Oceanus”، Ep. 77، http://www.newadvent.org/fathers/3001077.htm، consulted October 21، 2017.
[23] Monika OZOG, “Saint Jerome and Veritas Hebraica on the Basis of the Correspondence with Saint Augustine”, Vox Patrum 30 (2010), t. 55, 518.
[24] GANDIL, Op. cit.
[25] كان ايراسموس الفيلسوف الهولندي من الحركة الإنسانية الأوروبيّة أوّل من طبّق طريقة النقد العلميّ على المؤلفّات المسيحيّة، وبسبب إلمامه الواسع باللّاتينيّة واليونانيّة اقتنع بوجوب إعادة ترجمة العهد الجديد من اليونانيّة إلى اللّاتينيّة لإبراز الفوارق مع نسخة الفولجاتا؛ هذا النصّ اللاتينيّ بات يُعرف بالــ Textus Receptus وهو نصّ إنتقدته بشدّة الكنيسة الكاثوليكيّة معتبرة إيّاه في الخطّ اللوثري.
Erasme”, https://fr.wikipedia.org/wiki/%C3%89rasme, consulté le 22 octobre 2017.. “
[26] Theodore P. LETIS, “The Vulgata Latina as Sacred Text: What did the Council of Trent Mean when it claimed Jerome’s Bible was Authentica”, Reformation, (2000), 7:1، p. 6-7.
[27] GANDIL, op. cit.
[28] Rev. A.F. HEWIT, “Some Account of the Latin Vulgate”, Catholic World, Issue 19,، Aug. 1881, 595
[29] Hewit, 596.
[30] Matt DUNN, “Saint Jerome، the Vulgate، and Our Biblical Heritage”, http://biblestudyforcatholics.com/st-jerome-vulgate-biblical-heritage/, retrieved October 22، 2017.
[31]، لها عدّة معانٍ: الأساس ،الزاوية، القرن، الشعاع، البوق ،يشع، http://www.morfix.co.il/en/%D7%A7%D7%A8%D7%9F retrieved October 24 2017
[32] في هذا السياق http://rabbiartlevine.com/Home/tabid/2652/ID/840/Ki-Tissa-Moses-Horns-Not-a-Mistranslation.aspx http://taylormarshall.com/2013/08/the-horns-of-moses-defending-michelangelos-horned-moses.html
[33] Thomas ROMER, “The Horns of Moses. Setting the Bible in its Historical Context”, http://books.openedition.org/cdf/3048, retrieved October 22، 2017.
[34] Ronald V. HUGGINS, “Acts 2: 38 & Matthew 4: 17: From “Do Penance” to “Repent”: The long road bringing the Roman Catholic translation of the Bible round to agree with Martin Luther”, http://ronaldvhuggins.blogspot.com/2016/01/acts-238-matthew-417-from-do-penance-to.html, retrieved October 22، 2017.
[35] Christophe RICO, Le traducteur de Bethléem, le génie interprétatif de saint Jérome à l’aune de la linguistique, Lectio Divina, les Editions du Cerf, 2016.
[36] Rico, op. cit., 101.
[37] Rico, op. cit, 73 74
[38] Rico, op. cit, 77.
[39] Rico, op. cit, 81 – 87.
RECENT POSTS
البيئة في الكتاب المقدَّس
البيئة في الكتاب المقدَّس الدكتور دانيال عيّوش RECENT POSTS
المواطنة في وطنَين: أرضيّ وسماويّ
المواطنة في وطنَين: أرضيّ وسماويّ الخوري د. سامي نعمة RECENT POSTS
المواطنة في الكتاب المقدَّس
المواطنة في العهد الجديد الخوري الدكتور باسم الراعي* (محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 26/5/2023) مقدّمة القسّ د. عيسى دياب هذه الندوة هي الثانية لسنة 2023، مِن بين ثلاث ندوات، نتناول فيها...