الترجوم

القس عيسى دياب*

(محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 26 أيار/مايو 2017)

المقدمة

أولًا: تكوّن الترجوم

  1. التراجم الشفوية
  2. التراجم المكتوبة
  3. التقاليد التلموذية حول الترجوم

ثانيًا: تراجم التوراة

  1. ترجوم أنقلوس للتوراة
  2. ترجوم يوناثان المنحول
  3. ترجوم نيوفيتي
  4. الترجوم المجتزأ
  5. ترجوم جنيزة القاهرة

ثالثًا: ترجوم يوناثان بن عزيئيل للأنبياء

رابعًا: ترجوم قسم الكتابات الأخرى من الكتاب المقدس العبري (كِثوبيم)

خامسًا: استخدام الترجوم

سادسًا: غريب الترجوم

سابعًا: فوائد الترجوم

الترجوم

المقدمة

التراجم (عب. “ترجوميم”، المفرد: “ترجوم”؛ العبرية: תרגום) هو ترجمة للكتاب المقدس العبري من الأصل العبري إلى الآرامية. وقصة هذه الترجمة- كيف برزت الحاجة إليها وكيف أنجزت- قصة طويلة وغريبة.

اسم “ترجوم” مشتق من فعل عبري رباعي “ت ر ج م” (تارجم). وتشير عبارة “ترَجُمَّانو” الأكادية إلى ترجمان أو شارح.[1] جاءت العبارة في الكتاب المقدس العبري: “… وَكِتَابَةُ ٱلرِّسَالَةِ مَكْتُوبَةٌ بِٱلْأَرَامِيَّةِ وَمُتَرْجَمَةٌ بِٱلْأَرَامِيَّةِ. (عزرا 4: 7)

 و لجذر “ت ر غ م” العبري أصل أكادي، ومصطلح “تارغومانو” الأكادي يشير إلى “م- ت-ر-ج- م، مترجم” العبري. وللكلمة دلالات عديدة، فإلى جانب الإشارة إلى ترجمات الكتاب المقدّس، يشير مصطلح “تارجم” أيضا إلى تقديم شفهي لخطاب من الكتاب المقدّس يُلقى في كنيس،[2]  في حين كان “مترجم” الكتاب المقدس يسمّى ببساطة “هامتورغم” (الترجمان). بالإضافة إلى معنى “ترجمة”، يعني الفعل تيرجم أيضا “شرح”.[3]  تشير كلمة “تارجم”، بشكل عام، إلى “الترجمة” والمحاججة أو التفسير”.[4]

أولًا: تكوّن الترجوم

1. التراجم الشفوية

ابتداء من سنة 597 ق.م.، بدأ الكلدانيون يسبون الإسرائيليين القدماء أو اليهوذاويين  من أرضهم يهوذا إلى بابل، وكانت الدفعة الأكبر من السبي سنة 587 ق.م. حين احتلّ الكلدانيون مدينة أورشليم وهدموا الهيكل والبيوت وأحرقوا المدينة.

في بابل، دُعي اليهوذاويون يهودًا، وكان عليهم أن يتدبّروا أمر معيشتهم، فأخذوا يعملون في الأعمال الوضيعة، وتعلّموا لغة البلاد، الآرامية، وبنوا مساكن تأويهم. قضى بعض المسبيين عشرات السنين، وتزوّجوا ورزقوا أولادًا. ومع الوقت، أخذت تُنتسى اللغة العبرية الكنعانية،  ويكثر استعمال الآرامية، وصاروا يكتبون العبرية بحروف آرامية.

من جهة أخرى، في بابل حيث كان اليهود في السبي، ومع غياب الهيكل، توقّفت العبادة الذبائحية، وابتدع اليهود نظام “المجمع”. والمجمع بيت يجتمع فيه اليهود للعبادة، وكان برنامج العبادة يتضمّن ترتيل المزامير، ورفع الصلوات، وقراءات من الأسفار المقدسة، وكان أهمها التوراة، ثم الأنبياء. ويتبع القراءة وعظ. ووفقًا للحاجة، صاروا يتبعون القراءات العبرية بترجمة آرامية فورية.

سنة 538 ق.م. وبتوجيه من الملك الفارسي قورش، عادت أعداد من اليهود إلى أرضهم في يهوذا حيث أصلحوا البيوت وبنوا مجامع، وأعادوا بناء الهيكل ودشّنوه سنة 515 ق.م. ثم بعد وقت قصير على العودة الأولى، وفي عصر الملك أرتحششتا، وبتوجيه منه، صعد إلى يهوذا عزرا الكاهن والكاتب ليعلّم الشعب الشريعة إذ كان هو كاتبًا ماهرًا في شريعة موسى (عز 7: 6)، وصعد معه عدد من الكهنة واللاويين والمغنيين ليفتتحوا الخدمة في الهيكل، وليعلّموا الشعب شريعة موسى.

ولما كان الشعب قد نسي اللغة العبرية، برزت الحاجة إلى ترجمة كلام الشريعة إلى الآرامية. وعندما كان عزرا يقرأ الشريعة كان يوجد مترجم إلى الآرامية اللغة التي كان الشعب يفهمها. إليكم مقطعًا من سفر نحميا (8: 1-8):

1ٱجْتَمَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى ٱلسَّاحَةِ ٱلَّتِي أَمَامَ بَابِ ٱلْمَاءِ وَقَالُوا لِعَزْرَا ٱلْكَاتِبِ أَنْ يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى ٱلَّتِي أَمَرَ بِهَا ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ. 2فَأَتَى عَزْرَا ٱلْكَاتِبُ بِٱلشَّرِيعَةِ أَمَامَ ٱلْجَمَاعَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ مَا يُسْمَعُ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَوَّلِ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلسَّابِعِ. 3وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ ٱلسَّاحَةِ ٱلَّتِي أَمَامَ بَابِ ٱلْمَاءِ، مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ ٱلنَّهَارِ، أَمَامَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ وَٱلْفَاهِمِينَ. وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ ٱلشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ ٱلشَّرِيعَةِ. 4وَوَقَفَ عَزْرَا ٱلْكَاتِبُ عَلَى مِنْبَرِ ٱلْخَشَبِ ٱلَّذِي عَمِلُوهُ لِهَذَا ٱلْأَمْرِ، وَوَقَفَ بِجَانِبِهِ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا وَأُورِيَّا وَحِلْقِيَّا وَمَعْسِيَا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ فَدَايَا وَمِيشَائِيلُ وَمَلْكِيَّا وَحَشُومُ وَحَشْبَدَّانَةُ وَزَكَرِيَّا وَمَشُلَّامُ. 5وَفَتَحَ عَزْرَا ٱلسِّفْرَ أَمَامَ كُلِّ ٱلشَّعْبِ، لِأَنَّهُ كَانَ فَوْقَ كُلِّ ٱلشَّعْبِ. وَعِنْدَمَا فَتَحَهُ وَقَفَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ. 6وَبَارَكَ عَزْرَا ٱلرَّبَّ ٱلْإِلَهَ ٱلْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ: «آمِينَ، آمِينَ!» رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ. 7وَيَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلَايَا وَٱللَّاوِيُّونَ أَفْهَمُوا ٱلشَّعْبَ ٱلشَّرِيعَةَ، وَٱلشَّعْبُ فِي أَمَاكِنِهِمْ. 8وَقَرَأُوا فِي ٱلسِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ ٱللهِ، بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا ٱلْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ ٱلْقِرَاءَةَ.

 في كل هذا المقطع لا ترد كلمة ” תרגם” “ترجم”، بل كلمة ” בין” (بين = بيّن، أفهم، شرح). ولكن القرينة تدلنا إلى أن لغة الشرح لم تكن العبرية بل الآرامية

أما كلمة ترجم فتأتي في عزرا 4: 7 ” وَفِي أَيَّامِ أَرْتَحْشَشْتَا كَتَبَ بِشْلَامُ وَمِثْرَدَاثُ وَطَبْئِيلُ وَسَائِرُ رُفَقَائِهِمْ إِلَى أَرْتَحْشَشْتَا مَلِكِ فَارِسَ. وَكِتَابَةُ ٱلرِّسَالَةِ مَكْتُوبَةٌ بِٱلْأَرَامِيَّةِ وَمُتَرْجَمَةٌ بِٱلْأَرَامِيَّةِ.” أي مكتوبة بالآرامية العبرية، ومترجمة بالآرامية الآرامية.

وعلى هذا المنوال، ساد تقليد ترجمة معاني القراءات الليتورجية إلى اللغة الآرامية ترجمة فوريّة، وصار هذا التقليد يمارس في كل مجامع يهوذا وبابل أيضًا بالطبع. وعلى ممرّ العصور، أخذت هذه الترجمة إلى الآرامية منحى الشكل المعياري، لكن بقيت تقليدًا شفويًا لوقت طويل، وكان هذا التقليد يتحسن باضطراد شكلًا ومضمونًا.

وظل استعمال اللغة العبرية يتراجع باضطراد تاركًا المكان لاستعمال اللغة الآرامية. ونحو القرن الأول الميلادي، أصبح استعمال العبرية يقتصر على التعليم في المدارس الدينية وفي الطقوس الدينية[5]، وأصبحت الآرامية لغة التواصل اليومي، ما رفع من شأن التقاليد الترجومية الشفوية وعزّز استخدامها في العبادة المجمعية وعلى الصعيد الشخصي.

نصل إلى زمن المسيح، وكان التقليد الترجومي قد تثبّت، وغطّى معظم الأسفار المقدسة، لكنه كان متوفرًا بشكله الشفوي فقط، وكان تناقله وتداوله يعتمدان على الحفظ.

أما اليوم، فاليهود اليمنيون فقط يستمرّون في استخدام القراءات الترجومية في ليتورجيا العبادة.

كنوعية ترجمة، يعكس الترجوم، إلى حدّ كبير، منهجية التفسير المدراشي[6]، وعندما وُضعت هذه التفاسير كتابة (القرن التاسع – العاشر)، تخلّى كَتَبَتُها عن التشبيهات البشرية المسندة لله (anthropomorphisms) لصالح القراءات المجازية (allegorical readings).[7] وكان الرابي والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون (1135-1204) أحد الذين أشاروا إلى هذا في عمله  “دليل الحيارى”. وهذا واضح في الترجومين الأكثر انتشارًا، ترجوم التوراة وترجوم الأنبياء، الذين يتبعان الحرفية في الترجمة إلى حد ما. لكن بقيت تراجم قسم “الكثوفيم” أو الكتابات تحتوي على العديد من الشطحات المدراشية.

2. التراجم المكتوبة

سبق وأشرنا إلى أن التراجم تناقلت بشكل شفوي. كان، بداية، يُحظر على اليهود كتابة التراجم، ربما بسبب شيوع استخدامها بين العامة وعدم إعطائها قيمة علمية كبيرة. ومع ذلك، ظهرت بعض الكتابات الترجومية في وقت مبكر من منتصف القرن الأول الميلادي.[8] لكن لم تحظَ هذه الكتابات باعتراف الزعماء الدينيين،[9] خاصة في المراكز الدينية الفلسطينية. لكن بعض التقاليد اليهودية اللاحقة (بدءًا من اليهود البابليين) اعترفت بتراجم مكتوبة على أنها صحيحة وموثوقة. وفي نهاية المطاف، أصبحت مسألة نصوص الترجوم المكتوبة موضوع نقاش حاد.

بدأت كتابة الترجوم بشكل بسيط وعفوي، ألا وهو إدخال ملاحظات تفسيرية آرامية على النص العبري. وصارت تظهر هذه الإقحامات، في المخطوطات المنتشرة في المجامع اليهودية في كل مكان. ولكن يبدو أن بعض الجهات اليهودية، ونحن نجهل تمامًا من هي هذه الجهات، أرادت أن تعطي التفاسير الترجومية سلطة أكبر، جمعت هذه الملاحظات وصدرت في درج مستقل كترجوم. وبدءًا من القرن الثالث الميلادي، ظهر ترجومان مكتوبان ووُضعا قيد الاستعمال، في فلسطين أولًا، ثم روجعا في بابل، وهما ترجوم أنقلوس للتوراة وترجوم يوناثان للأنبياء.[10]

وبعد ذلك، استمر الفن الأدبي الترجومي في التطور في فلسطين وفي بابل، وظهرت تراجم أخرى سنتكلم عنها لاحقًا. لكننا لا نملك معلومات يعتمد عليها تتعلق بالمترجمين أو جامعي الإقحامات الترجومية من النصوص، والظروف التي عملوا فيها، وما كان هدف عملهم، وما هي الحدود التي حافظوا عليها والأنماط التي طبقوها في الترجمة.

الترجومان الأكثر استعمالا هما:

ترجوم أنقلوس للتوراة

ترجوم يوناثان بن عزيل للأنبياء

ولكن تكوّن أيضًا تراجم لأسفار قسم الكثوفيم (الكتابات الأخرى)

لجماعة السامريين ترجومهم الخاص وهو ترجمة لتوراتهم (السامرية)، لكن لن أتكلم عنه في هذه المحاضرة. كما واكتشفت مخطوطات أخرى للترجوم بين مكتشفات البحر الميت، ما زالت قيد الدراسة.[11]

3. التقاليد التلموذية حول الترجوم

 يذكر التلموذ البابلي ترجوم أنقلوس للتوراة وترجوم يوناثان للأنبياء ثم يصفهما بعبارة “ترجوم ديلان” (ترجومنا)، وبذلك يكون معلّمو اليهود قد قبلوهما كترجومين رسميين وكنص مقدّس وأعطوهما الصفة المرجعية.

بحسب بعض التقاليد التلموذية، الله أعطى مضمون الترجوم إلى موسى على جبل سيناء، لكنه اندثر. وبعد وقت طويل عاد أنقلوس وسجّله.[12]

يقول التلموذ (ميغيلا 3أ) ب”أن من ألّف ترجوم التوراة هو أنقلوس المهتدي، وقد جاء هذا على لسان الرابي إليعاز والرابي يشوع. من ألّف ترجوم الأنبياء هو يوناثان بن عزّيئيل بتوجيه حجي وزكريا وملاخي. وكان يوناثان بن عزّيئيل تلميذًا لهليل، ولهذا كان عنده تقاليد استلمها منه – مهارشا، لذلك فأرض إسرائيل تزلزلت على منطقة مربّعة طول ضلعها أربعمائة فرسخًا، وجاء صوت سماوي و هتف، من هذا الذي كشف أسراري للبشرية؟ حينئذٍ نهض يوناثان بن عزيئيل ثم قال: “أنا الذي كشف أسرارك للبشرية. ومن المعروف تمامًا لك أني لم أفعل هذا لشرف لي أو لشرف بيت والدي، ولكن لشرفك فعلت ذلك، حتى لا يزيد الشقاق في إسرائيل. كما سعى إلى الكشف عن ترجوم فيه المعنى الداخلي[للهاجيوغرافا، ولكن صوتًا سماويًا قام وقال، كفى! ماذا كان السبب؟ لأن تاريخ المسيح مذكور فيه”. [مرجع محتمل لنهاية كتاب دانيال.]

ولكن هل أونقلوس المهتدي هو من ألّف ترجوم أسفار موسى الخمسة؟ ألم يقل رابي إيكا، باسم رابي حنانيل الذي أتاه من راب: ما هو المقصود من نص، نحميا 8: 8 ” وَقَرَأُوا فِي ٱلسِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ ٱللهِ، بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا ٱلْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ ٱلْقِرَاءَةَ.” النص الذي قرأوه هو النص العبري، والتفسير هو بالآرامية، ما يدل على أن الترجوم يعود إلى وقت عزرا.

ثانيًا: تراجم التوراة

أهمها “ترجوم أنقلوس” الشرقي البابلي.

وترجوم يوناثان المنحول

يوجد أيضًا عدة تراجم للتوراة من منشأ غربي (فلسطين)، دُعي كل منها تقليديًا “ترجوم أورشليمي”، المدعوّة أيضًا “التراجم الفلسطينية”، وهي ثلاث مجموعات من المخطوطات: ترجوم نيوفيتي، تراجم مجتزأة، وتراجم مجتزأة من جنيزة القاهرة.

1. ترجوم أنقلوس للتوراة

ترجوم أنقلوس هو الترجوم الرسمي للتوراة. يقبله اليهود التلموذيون على أنه نص مقدّس، ويقرأه بقية اليهود للتثقيف الديني. يُعتبر ترجوم أنقلوس شرقيًا بابليًا حيث تطوّر وكثر انتشاره وتداوله، لكن يعتقد بعضهم أنه من منشأ غربي فلسطيني. وأنقلوس يوناني انضم إلى اليهودية في بداية القرن الثاني.

احتار العلماء في شخصية المترجم أنقلوس، فمنهم من يعتقد أنه أكيلا الذي وضع ترجمة يونانية في القرن الأول الميلادي وعُرفت باسمه، لكن بعضهم الآخر يرفض هذه النظرية.[13] واعتقد بعضهم أن الخطأ حصل في مخطوط نُسبت فيه الترجمة “الآرامية” إلى أكيلا، والصحيح هو الترجمة “اليونانية”.[14]

يعتقد بعض العلماء أن الترجمة وُضعت لأجل العامة[15]، فهي مبسّطة ومشروحة. لكن علماء آخرين يرفضون هذه النظرية[16] ويعتبرونها ترجمة جدية وحرفية لذلك اعتُمدت قراءتها في المجامع اليهودية في العصر التلموذي، وما زالت تُقرأ في المجامع اليمنية حتى اليوم.

من خصائص ترجوم أنقلوس أنه يتحاشى إلقاء التشابيه البشرية والمادية على الله، وأنه قريب من الحرفية.

يُعلم التلموذ بأن على كل يهودي أن يقرأ، مع الجماعة، الأجزاء المخصصة من الأسفار المقدسة، فيقرأ نص السفر مرتين ونص الترجوم مرة (Berakhot 8a-b). وفهم معظم اليهود بأن هذا يشير إلى قراءة ترجوم أنقلوس في المجمع، بينما أراد بعضهم الآخر أن يطبّق هذا على قراءة ترجوم يوناثان للأنبياء.

2. ترجوم يوناثان المنحول

هو ترجوم للتوراة، من منشأ غربي فلسطيني، لكن دُعي بالخطأ “ترجوم يوناثان” في الطبعات الأخيرة في القرون الوسطى. غير أن السلطات الدينية اليهودية في القرون الوسطى كانت دائمًا تدعوه باسمه الصحيح. حصل الخطأ عندما فسّر الطابع حرفَيْ ت ي المكتوبين على المخطوط “ترجوم يوناثان” بينما هي “ترجوم يروشليمي”. ويشير العلماء اليوم إلى هذا الترجوم باسم “ترجوم يوناثان المنحول”.

إن نسبة هذا الترجوم إلى يوناثان بن عزيئيل يناقض التقليد التلموذي الذي ينسب له ترجوم الأنبياء فقط، بينما يقول صراحة بأنه لا يوجد ترجوم قانوني للكتوبيم (أنظر مغيلاه 3أ). ولحسن الحظ، يوجد في المجلد المطبوع نفسه أجزاء من هذا الترجوم ومعنونة “ترجوم أورشليمي”، كما هي الحقيقة.

3. ترجوم نيوفيتي

بين هذه المجموعات الثلاث للتراجم التوراتية، يُعتبر ترجوم نيوفيتي الأكبر والأهم. يتضمن 450 ورقة تغطي أسفار موسى الخمسة بأكملها، باستثناء بعض الآيات المتضرّرة. يبدأ تاريخ هذه المخطوطة سنة 1587، عندما تركه الرقيب أندريا دي مونتي (Andrea de Monte، توفي 1587) إلى أوغو بونكومباغني (Ugo Boncompagni) – وهذا أمر فيه كثير من الغرابة، لأن بونكومباغني، المعروف باسم البابا غريغوريس الثالث عشر، توفي في 1585. بدلا من ذلك، من الممكن أن يكون قد تم انتقال المخطوطة من صاحبها الأصلي بواسطة شخص يُدعى “جيوفان باولو أوستاشيو رومانو نيوفيتو” (“Giovan Paolo Eustachio romano neophito).[17] قبل هذا، كان  دي مونتي قد حققها فحذف منها معظم الإشارات إلى الوثنية. في عام 1602، ُأُعْطِيِت ملكية بونكومباني إلى كوليجيوم إكليزياستيكوم أدولزنتيوم نوفيتوروم (the Collegium Ecclesiasticum Adolescentium Neophytorum) أو بيا دوموس نوفيتوروم (Pia Domus Neophytorum)، وهي كلّية متخصصة بتعليم المتحولين من اليهودية والإسلام إلى المسيحية) حيث بقيت حتى عام 1886، عندما اشتراها الفاتيكان مع مخطوطات أخرى عندما أغلقت الكلّية. لكن قبل أن تُغلق، أعطت المخطوطة اسمها “نيوفيتي”. ولسوء الحظ، أُعطيت المخطوطة عنوان “ترجوم أونقلوس”،  وبقي هذا اسمها حتى عام 1949، عندما لاحظ أليخاندرو ديز ماشو (Alejandro Díez Macho) أنها تختلف اختلافا كبيرا عن ترجوم أنقلوس.

تُرجم ترجوم نيوفيتي ونشر خلال الفترة 1968-1979. ومنذ ذلك الحين، صار يُعتبر أهم التراجم الفلسطينية. كما هو، إلى حد بعيد، الأكثر اكتمالا. وعلى ما يبدو، هو أيضًا الأقدم.[18]

4. الترجوم المجتزأ

ما يُسمى “الترجوم المجتزأ” هو عبارة عن أجزاء من تراجم عديدة جُمعت ونُشرت. وكان سابقًا يُدعى “ترجوم أورشليمي جزء ثاني”.

مع الأسف، هذه الأجزاء الصغيرة لا تكون ترجومًا كاملًا، وهي لا تُفيدنا عن مكان إعدادها والهدف منه. نستفيد منها فقط للاضطلاع على بعض القراءات المختلفة.

5. ترجوم جنيزة القاهرة

اكتشفت بعض الأجزاء من مخطوطات ترجومية في جنيزة (صندوق الكتب المقدسة) مجمع ابن عزرا في القاهرة. هي تشبه الترجوم المجتزأ الذي تكلمنا عنه أعلاه إلى حد بعيد. وتحتوي هذه الأجزاء على نصوص من التكوين والخروج والتثنية، وهي لا تكون ترجومًا كاملا.

ثالثًا: ترجوم يوناثان بن عزيئيل للأنبياء

ترجوم يوناثان ترجوم شرقي بابلي للأنبياء، هو ترجوم رسمي تعتمده المراجع اليهودية التلموذية ككتابات مقدّسة.

يعتقد بعضهم بأن مصدر هذا الترجوم غربي فلسطيني، لكنه أرسل إلى بابل حيث تطوّر ووضع قيد التداول.

تسند التقاليد التلموذية كتابته إلى يوناثان بن عزيئيل، وهو تلميذ لهليل في أورشليم وفي عصر الملك هيرودس.

نوع ترجمة ترجوم يوناثان قريبة جدًا من ترجمة ترجوم أنقلوس، ولو اعتقد بعضهم بأن فيه الكثير من الشروحات.[19]

رابعًا: ترجوم قسم الكتابات الأخرى من الكتاب المقدس العبري (كِثوبيم)

يُصرّح التلموذ بوضوح أنه لم يُعد ترجوم لقسم الكتابات الأخرى (الكثوبيم) حظي باعتراف اليهود، وبالتالي لا يوجد ترجوم قانوني لهذا القسم من الكتاب المقدّس العبري. وترجوم الكاثوبيم غير ضروري نظرًا لأنه لا توجد قراءات ليتورجية ثابتة في المجمع مأخوذة من هذا القسم من الكتاب المقدّس العبري.

ومع ذلك، فإن معظم كتب قسم كيتوفيم (الكتابات)، باستثناء دانيال وعزرا-نحميا- هذه الكتب التي تحتوي على أجزاء أرامية- لها تراجم، ومنشأها في الغالب غربي (فلسطين)، بدلا من المنشأ الشرقي (بابل) كما هو الحال في التراجم الأخرى. ولكن نظرا لعدم وجود فقرة خاصة بها في الليتورجيا المجمعية، فقد تم الحفاظ عليها بشكل ضعيف وأضحت أقل شهرة. ومن فلسطين، تقاليد تراجم أسفار الكيتوفيم شقّت طريقها إلى إيطاليا، ومن هناك إلى أشكيناز القرون الوسطى والسيفاراد.

إن تراجم أسفار المزامير، والأمثال، وأيوب يُتعامل معها وكأنها مجموعة واحدة، كما هي الحال مع  تراجم اللفائف الخمسة.

لسفر أستير ترجوم ثانٍ أطول من الأول.

يُعد ترجوم سفر الأخبار  متأخر جدا، وربما أُعِدَّ في العصور الوسطى، و نُسِب إلى رابي يوسف.

خامسًا: استخدام الترجوم

ويحض التلموذ على ضرورة قراءة النصوص المقدّسة ودراستها بمساعدة الترجوم، ففي فصل “براكوث” يطلب التلموذ أن يُقرأ كل قسم من التوراة مرتين، يليه قراءة القسم نفسه في ترجوم أنقلوس مرة واحدة. والقسم من الأنبياء يُقرأ مرة واحدة يليه قراءة القسم نفسه من ترجوم يوناثان (أنظر (Berakhot 8a–b)

في مجامع الفترة التلموذية، كان يوجد برنامج معدّ سابقًا للقراءات في خدمة السبت أو في الأعياد الدينية، وكانت القراءات تتضمّن دائمًا قسمًا من التوراة وقسمًا من الأنبياء بالإضافة إلى أقسام أخرى بحسب المناسبات. فكان ترجوم أنقلوس يُقرأ مع قراءة التوراة، كل آية من النص العبري يليها الموازي لها في الترجوم الآرامي. وكان ترجوم يوناثان يُقرأ بالتوازي مع الهافترا (القسم) من الأنبياء. في العصور التي تلت الحقبة التلمودية  توقّفت هذه العادة في المجامع، لكنها مستمرة في مجامع اليهود اليمنيين؛ وهؤلاء يرون في استمراريتها حرصًا على عدم نسيان اللهجة الآرامية البابلية الضرورية جدًا لقراءة التلموذ وتفسيره.

عُثر على نصوص يعود تاريخها إلى القرون الوسطى تتضمن نصوصًا من الترجوم وتحت كل آية مثيلها من النص العبري الماسوراتي. وكانت تُستخدم هذه النصوص في القراءة العامة في المجامع وللدراسة الشخصية.

يرى العلماء أن هذين الترجومين تكوّنا في سياق آرامي شرقي، أي في بابل،  لكنهما بدءا يتكوّنان في فلسطين بسب تضمنهما كلمات من الآرامية الغربية. وهذا التأثير الآرامي الغربي ما زال واضحًا في التراجم الموجودة حاليًا.

بينما ينصح اليوم معلّمو اليهود عدم استعمال الترجوم في القراءة الشخصية للنصوص المقدّسة، خوفًا من الشطط، وعدم التمكّن من التعاطي مع الاختلافات بين النص العبري والنص الآرامي. لكن يبقى الترجوم أداة ضرورية لتفسير النصوص العبرية، واستخدامه شائع جدًا بين اليهود الأشكنازي، أي يهود فرنسا وألمانيا ووسط أوروبا.

من أجل هذه الغاية، ما زال الترجوم يُطبع إلى جانب النص العبري في الطبعات الحالية للنصوص المقدّسة اليهودية.

لذلك، رأت سلطات هالاخية معينة، في وقت لاحق، أن الحاجة إلى مراجعة الترجوم وإتمام هذا العمل  يمكن أن يتم من خلال قراءة ترجمات عنه إلى العاميات الحالية، بدلا من قراءة التراجم الرسمية بلغتها الأصلية، أي الآرامية. أو من خلال دراسة تفسير مهم للنصوص المقدّسة العبرية، يحتوي على تفاسير مدراشية، مثل تفسير راسي.

سادسًا: غريب الترجوم

تختلف التراجم بين بعضها لجهة نوع الترجمة، ففي بعض الأماكن نجدها ترجمة حرفية، بينما في أماكن أخرى، نراها ترجمة بتصرف مع إسهاب في الشرح وإضافة عناصر أخرى إلى معنى النص العبري. ويتضمن الترجوم خصائص فريدة يستغربها القارئ لكن يجدر التوقف عندها ودرسها:

الملاحظة الأولى: يتحاشى الترجوم تجسيم الله، فعندما يصل إلى نص عبري فيه تجسيم، نراه يهرب منه إلى ألفاظ أخرى. ففي سياق علاقة الله بالعالم، محبة المترجم في توقير الله قادته إلى استخدام استعارات، فيستبدل كلمة “إلوهيم” أو “يهوه” بـ”ممرا” (الكلمة)، أو “يقارا” (المجد)، أو “إيقار” (التوقير)، أو “شخينتا” (الحضور). بعض الأمثلة:[20]

تكوين 1: 16-17 من ترجوم نيفيتي:

العبري ترجمة الآرامي
וַיַּ֣עַשׂ אֱלֹהִ֔ים אֶת־שְׁנֵ֥י הַמְּאֹרֹ֖ת הַגְּדֹלִ֑ים אֶת־הַמָּא֤וֹר הַגָּדֹל֙ לְמֶמְשֶׁ֣לֶת הַיּ֔וֹם וְאֶת־הַמָּא֤וֹר הַקָּטֹן֙ לְמֶמְשֶׁ֣לֶת הַלַּ֔יְלָה וְאֵ֖ת הַכּוֹכָבִֽים׃  וַיִּתֵּ֥ן אֹתָ֛ם אֱלֹהִ֖ים בִּרְקִ֣יעַ הַשָּׁמָ֑יִם לְהָאִ֖יר עַל־הָאָֽרֶץ׃ The Word of the Lord created the two large luminaries … and the Glory of the Lord set them in the firmament
16فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلنُّورَيْنِ ٱلْعَظِيمَيْنِ: ٱلنُّورَ ٱلْأَكْبَرَ لِحُكْمِ ٱلنَّهَارِ، وَٱلنُّورَ ٱلْأَصْغَرَ لِحُكْمِ ٱللَّيْلِ، وَٱلنُّجُومَ. 17وَجَعَلَهَا ٱللهُ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ، ممرا (كلمة الرب) خلق النورين العظيمين… ويقارا، إيقارا (مجد الرب) ثبتهما في الجلد.

تكوين 2: 2-3 بحسب ترجوم نيوفيتي

العبري ترجمة الآرامي
וַיְכַ֤ל אֱלֹהִים֙ בַּיּ֣וֹם הַשְּׁבִיעִ֔י מְלַאכְתּ֖וֹ אֲשֶׁ֣ר עָשָׂ֑ה וַיִּשְׁבֹּת֙ בַּיּ֣וֹם הַשְּׁבִיעִ֔י מִכָּל־מְלַאכְתּ֖וֹ אֲשֶׁ֥ר עָשָֽׂה׃ וַיְבָ֤רֶךְ אֱלֹהִים֙ אֶת־י֣וֹם הַשְּׁבִיעִ֔י וַיְקַדֵּ֖שׁ אֹת֑וֹ כִּ֣י ב֤וֹ שָׁבַת֙ מִכָּל־מְלַאכְתּ֔וֹ אֲשֶׁר־בָּרָ֥א אֱלֹהִ֖ים לַעֲשֽׂוֹת׃ פ On the seventh day the Word of the Lord completed the work which he had created … and the Glory of the Lord blessed the seventh day.
2وَفَرَغَ ٱللهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ. فَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ ٱللهُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّابِعَ وَقَدَّسَهُ، لِأَنَّهُ فِيهِ ٱسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ ٱللهُ خَالِقًا. في اليوم السابع ممرا (كلمة الرب) أكمل العمل الذي خلقة… ويقارا بارك اليوم السابع

الملاحظة الثانية: بالإضافة إلى ترجمة النص إلى اللغة الآرامية، أضاف المترجمون إضافات تفسيرية. إليكم بعض الأمثال:

تكوين 2: 19بحسب ترجوم فلسطيني

العبري الآرامي
…וְכֹל֩ אֲשֶׁ֨ר יִקְרָא־ל֧וֹ הָֽאָדָ֛ם נֶ֥פֶשׁ חַיָּ֖ה ה֥וּא שְׁמֽוֹ׃ And whatever Adam called in the language of the sanctuary a living creature, that was its name
وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ ٱسْمُهَا وكل ما دعا آدم بلغة المقدس خليقة حية، كان هذا اسمه

تكوين 6: 3 بحسب ترجوم فلسطيني

العبري ترجمة الآرامي
… וְהָי֣וּ יָמָ֔יו מֵאָ֥ה וְעֶשְׂרִ֖ים שָׁנָֽה׃ Behold, I have granted them a hundred and twenty years in case they might repent, but they failed to do so
… وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً هوذا أعطيتهم مائة وعشرين سنة لعلّهم يتوبون، لكنهم فشلوا في هذا

 

خروج 3: 1 بحسب ترجوم نيوفيتي

العبري ترجمة الآرامي
… וַיָּבֹא אֶל־הַר הָאֱלֹהִים חֹרֵבָה׃ And he [Moses] reached the mount over which the glory of the Shekinah of the Lord was revealed, Horeb
وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ ٱللهِ حُورِيبَ ووصل (موسى) إلى الجبل حيث مجد شكينا الرب ظهر، حوريب

تثنية 33: 6، بحسب ترجوم فلسطيني

العبري ترجمة الآرامي
יְחִ֥י רְאוּבֵ֖ן וְאַל־יָמֹ֑ת וִיהִ֥י מְתָ֖יו מִסְפָּֽר׃ ס Let Reuben live in this world and not die in the second death, in which death the wicked die in the world to come
لِيَحْيَ رَأُوبَيْنُ وَلَا يَمُتْ، وَلَا يَكُنْ رِجَالُهُ قَلِيلِينَ ليعش رأوبين في هذا العالم ولا يمت في الموت الثاني، وهو موت يموت فيه الشرير في العالم الآتي

الملاحظة الثالثة: على الرغم من ادعائهم ترجمة النص العبري وتوضيحه، فقد قدم المترجمون أحيانًا ترجمة آرامية ذات معنى معاكس للنص العبري إيمانًا منهم بأن هذا هو المعنى الصحيح. لقد قاموا بهذا العمل بطرق مختلفة: أحيانًا بإضافة أداة النفي أو حذفها؛ وأحيانًا أخرى باستبدال الفعل الأصلي بفعل آخر يفيد المعنى المعاكس. إليكم بعض الأمثلة.

خروج 33: 3، بحسب ترجوم نيوفيتي

العبري ترجمة الآرامي
… כִּי֩ לֹ֨א אֶֽעֱלֶ֜ה בְּקִרְבְּךָ֗ … I will not remove my presence from among you
فَإِنِّي لَا أَصْعَدُ فِي وَسَطِكَ سوف لن أنزع حضوري من وسطكم

تكوين 4: 14، بحسب ترجوم أنقلوس ونيوفيتي

العبري ترجمة الآرامي
הֵן֩ גֵּרַ֨שְׁתָּ אֹתִ֜י הַיּ֗וֹם מֵעַל֙ פְּנֵ֣י הָֽאֲדָמָ֔ה וּמִפָּנֶ֖יךָ אֶסָּתֵ֑ר … Behold, you have driven me this day from upon the land, but it is not possible to be hidden from you”
إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي ٱلْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ ٱلْأَرْضِ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي … هوذا أنت تطردني اليوم من الأرض، ولكن ليس بالإمكان أن أختبئ عنك

تكوين 4: 23

العبري ترجمة الآرامي
… כִּ֣י אִ֤ישׁ הָרַ֙גְתִּי֙ לְפִצְעִ֔י וְיֶ֖לֶד לְחַבֻּרָתִֽי׃ I have slain a man for wounding me, a young man on account of which my progeny would be destroyed.
… فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلًا لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي لقد قتلت رجلا لإصابتي، وهو شاب، وعلى أساسه سيتم تدمير ذريتي

في هذا المثل، أبدل المترجم أنشودة “التعطش إلى سفك الدم”، كما في النص العبري، إلى خبر يُسلّم فيه قائله بتنفيذ عقاب إلهي.

تثنية 2: 6، بحسب ترجوم نيوفيتي

العبري ترجمة الآرامي
אֹ֣כֶל תִּשְׁבְּר֧וּ מֵֽאִתָּ֛ם בַּכֶּ֖סֶף וַאֲכַלְתֶּ֑ם וְגַם־מַ֜יִם תִּכְר֧וּ מֵאִתָּ֛ם בַּכֶּ֖סֶף וּשְׁתִיתֶֽם׃ You need not buy food from them for money, since manna from heaven descends for you; neither need you buy water from them, since the well of water ascends with you, up to the mountain tops and down into the valleys.
طَعَامًا تَشْتَرُونَ مِنْهُمْ بِٱلْفِضَّةِ لِتَأْكُلُوا، وَمَاءً أَيْضًا تَبْتَاعُونَ مِنْهُمْ بِٱلْفِضَّةِ لِتَشْرَبُوا. لن تحتاج أن تشتري منهم طعامًا بالفضة، لأن المنّ من السماء ينزل عليك؛ ولن تحتاج أن تشتري منهم ماء، لأن بئر الماء يصعد معك إلى قمم الجبال وينزل معك إلى الأودية.

كون هذه الآية تتبعها الآية التالية: “لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ قَدْ بَارَكَكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ، عَارِفًا مَسِيرَكَ فِي هَذَا ٱلْقَفْرِ ٱلْعَظِيمِ. اَلْآنَ أَرْبَعُونَ سَنَةً لِلرَّبِّ إِلَهِكَ مَعَكَ، لَمْ يَنْقُصْ عَنْكَ شَيْءٌ” (تث 2: 7)، فقد رأى المترجم أن شراء الطعام والماء من الآدوميين لا يليق بأمانة الرب، ويناقض هذا القول، فلجأ إلى عكس المعنى في الترجمة.

الجدير بالذكر أيضًا أن بولس الرسول عندما قال في 1كو 10، وتابعتهم صخرة…، كان يُشير إلى هذه الترجمة.

سابعًا: فوائد الترجوم

يعتقد عدد من المتخصصين بأن مترجمي الفشيطا استعانوا بالترجوم في بعض الأحيان، وهذا الأمر نتركه للمحاضر الثاني.

إن عددًا كبيرًا من اقتباسات العهد الجديد للعهد القديم أتت بحسب الترجوم، وكثير من المفاهيم الدينية لا تُفهم إلا إذا اضطلعنا على الترجوم.

للترجوم فوائد كثيرة في الدراسات الكتابية:

  1. يعرفنا كيف كان قارئ النص المقدس يفهمه في وقت من الأوقات.
  2. يفتح أمامنا آفاقًا كثيرة في علم التفسير، وأهمها استخدام التمييز العقلاني عند قراءة النص: للقارئ الحقّ في رفض الصور الوثنية التي صُوّر بها الله في بعض الأحيان في العهد القديم.

____

[1] Philip S. Alexander, (1992) “Targum, Targumim,” in The Anchor Bible Dictionary, ed. David Noel Freedman (New York: Doubleday), 6:320–31

[2] Philip S. Alexander, (1992) “Targum, Targumim,” in The Anchor Bible Dictionary, ed. David Noel Freedman (New York: Doubleday), 6:320–31

[3] Philip S. Alexander, (1992) “Targum, Targumim,” in The Anchor Bible Dictionary, ed. David Noel Freedman (New York: Doubleday), 6:320–31

[4] Philip S. Alexander, (1992) “Targum, Targumim,” in The Anchor Bible Dictionary, ed. David Noel Freedman (New York: Doubleday), 6:320–31

[5] Schühlein, Franz (1912). Targum. New York: Robert Appleton Company.

[6] “مدراش”، جمعها “مدراشيم”، وتعني “تفسير”، و”تفاسير”. هو فنّ تفسيري للنصوص المقدّسة يعتمد على شرح النص بالقصص الأسطورية والفولكلورية والخيالية لاستخلاص الدروس الروحية وتقديمها بشكل الوعظ. نشأت هذه التفاسير مع الوقت وبشكل شفوي، ووضعت كتابة بعد ختم التلموذ في القرن التاسع أو العاشر.

[7] Oesterley, WOE; Box, GH (1920). A Short Survey of the Literature of Rabbinical and Mediæval Judaism. New York: Burt Franklin.

[8] Schühlein, Franz (1912). Targum. New York: Robert Appleton Company.

[9] Schühlein, Franz (1912). Targum. New York: Robert Appleton Company.

[10]  Bruce Metzeger, “the Jewish Targum” in http://www.bible-researcher.com/aramaic4.html; retrieved May 17, 2017.

[11] http://www.deadseascrolls.org.il/explore-the-archive/search#q=’targum’

[12] Talmud, Megillah 3a

[13] Bruce Metzger said: Though the name Onkelos corresponds to Aquila, there is no reason to ascribe this Targum to the Aquila who made a literalistic Greek translation of the Hebrew Scriptures in the second century. “, “the Jewish Targum”, in http://www.bible-researcher.com/aramaic4.html; retrieved May 18, 2017.

[14] Zvi Hirsch Chajes, Mevo Hatalmud (Introduction to the Talmud).

[15]Samuel David Luzzatto

[16] Nathan Marcus Adler in his introduction to his commentary to Targum Onkelos Netinah La-Ger.

[17]  Studi di biblioteconomia e storia del libro in onore di Francesco Barberi, ed. Giorgio De Gregori, Maria Valenti – 1976 “(42) Trascrivo una supplica dell’Eustachio al Sirleto : « Giovan Paolo Eustachio romano neophito devotissimo servidor di… (44) « Die 22 mensis augusti 1602. Inventarium factum in domo illustrissimi domini Ugonis Boncompagni posita”.

[18] McNamara, M. (1972) Targum and Testament. Shannon, Irish University Press; Sysling, H. (1996) Tehiyyat Ha-Metim. Tübingen, JCB Mohr.

[19]   A. Shinan, “Dating Targum Pseudo- Jonathan: Some More Comments”, JJS 61 (1990) 60 (57-61), comments, such a conclusion …

[20] كل الأمثلة مقتبسة عن مقالة بروس متزغر  http://www.bible-researcher.com/aramaic4.html

RECENT POSTS

المواطنة في الكتاب المقدَّس

المواطنة في الكتاب المقدَّس

المواطنة في العهد الجديد الخوري الدكتور باسم الراعي* (محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 26/5/2023) مقدّمة القسّ د. عيسى دياب هذه الندوة هي الثانية لسنة 2023، مِن بين ثلاث ندوات، نتناول فيها...

×