تكوّن العهد القديم
(محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 29/5/2015)
- القسّ د. هادي غنطوس هو أمين سرّ لجنة الشؤون الكنسيّة والروحيّة في السينودس الإنجيليّ الوطنيّ في سورية ولبنان، وراعي الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في منيارة، عكّار لبنان. باحث متخصّص في العهد القديم، حاصل على شهادة دكتوراه في العهد القديم مِن جامعة بيرن، سويسرا. هو عضو في الرابطة الكتابيّة في إقليم الشرق الأوسط، وعضو في الاتّحاد الأوروبيّ للدراسات الكتابيّة (European Association for Biblical Studies)، كما ويمثّل العائلة الإنجيليّة على دائرة اللاهوت والعلاقات المسكونيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط. له كتب وأبحاث ومقالات عديدة بالعربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة في مجال الكتاب المقدَّس، اللاهوت وحوار الأديان.
مقدّمة
تجمع الكنائس المختلفة على مركزية الكتاب المقدس ومرجعيته في الإيمان المسيحي. ولذلك تكتسب دراسة الكتاب المقدس والتعمق فيه أهمية خاصة ولا غنى عنها في حياة الكنيسة والمؤمنين على المستوى الشخصي والجماعي. لكن للأسف كثيرًا ما لا يعطى للكتاب بشكل عملي الأهمية التي تتناسب ومكانته في حياة الكنيسة والمؤمنين. فعلى الرغم من تلك الأهمية العظمى للكتاب المقدس، يعاني هذا الكتاب، في كلا عهديه، الكثير من التهميش والجهل والمفاهيم الخاطئة التي تسيطر على الكثير من المؤمنين والملتزمين، ناهيك عن المسيحيين بالاسم. بالإضافة إلى ذلك، يعاني العهد القديم، الذي يعتبر جزءًا أساسيًا من الكتاب المقدس، من درجة أكبر من الاهمال والتهميش، لا بل وأحيانًا المحاربة، في حياة الكنيسة في منطقتنا لأسباب متنوعة سياسية واجتماعية ولاهوتية؛ الأمر الذي يتسبّب بفقداننا وفقدان كنائسنا ومنطقتنا والعالم أجمع للكثير من الغنى والعمق واللاهوت المسيحي الصحيح والأمين ليسوع المسيح. فكلّ إيمان مسيحي يريد أن يكون أمينًا ليسوع المسيح لا يمكن إلا وأن يعطي للكتاب المقدس بكلا عهديه، القديم والجديد على حد سواء، مكانة مركزية في حياته ولاهوته. وأي إهمال أو تهميش أو محاربة للعهد القديم تتناقض وطبيعة الإيمان المسيحي وتبتعد عن الحد الأدنى من الالتزام بمن يحمل المسيحيون اسمه وتقود للنقص إن لم يكن للفشل في فهم حياته ورسالته.
ولذلك سنحاول في هذا البحث القاء نظرة عامة على العهد القديم وتكوّنه وتطوّره إلى الشكل الذي نعرفه عليه في كتابنا المقدس المسيحي اليوم. ولكن دعونا في البداية نضع بعض النقاط الأساسية التي يتبنّاها هذا البحث، والتي يجب أن يرتكز عليها أي فهم أو دراسة أمينين للكتاب المقدس بشكل عام، بكلا عهديه القديم والجديد.
- المفهوم الذي يتبنّاه هذا البحث للكتاب المقدس وطريقة فهمه والتعامل معه هو مفهوم يسعى لأن يكون قبل كل شيء آخر أمينًا للكتاب المقدس ولطبيعة ذلك الكتاب نفسه وليس للنظرة التقليدية الشائعة للكتاب ولطريقة التعامل معه. لا بل إن هذا البحث، ونتيجة للأمانة للكتاب المقدس وطبيعته بالذات، يختلف ويتناقض في مواضع كثيرة مع النظرة التقليدية، التي تسيطر عليها الحرفية، والتي ترسّخت في كنائسنا ومجتمعاتنا في التعامل مع الكتاب المقدس وأدّت وتؤدي في أحيان كثيرة إلى فهم مغلوط واساءة استخدام كبيرين وخطيرين للمرتكز الأول لإيماننا المسيحي. فالأمانة في التعامل مع الكتاب المقدس تعني، كما سنرى لاحقًا، الأمانة لطبيعته وليس الالتزام بحرفيته.
- إن أي قراءة جدّية وأمينة للكتاب المقدس لا تستطيع إلا وأن تعترف بأن الحرفية في قراءة الكتاب المقدس والتعامل معه إنما تتناقض وطبيعة هذا الكتاب، الذي يعلن أن “…الحرف يقتل لكن الروح يحيي” (2 كو 3: 6). ودعونا نشير هنا إلى بعض الأمثلة حول رفض الكتاب المقدس نفسه للحرفية، والتي لا يمكن إلا وأن يواجهها أي قارئ وباحث أمين للكتاب المقدس والتي تتطلب ممن يصرّون على الحرفية في التعامل مع الكتاب المقدس إيجاد أجوبة وحلول لها، غير تجنبها والتظاهر بعدم وجودها:
- الكتاب المقدس ليس كتاب بالمعنى التقليدي للكلمة، ولكنه بالأحرى مجموعة من الكتب المختلفة التي كتبت بأيدي كتّاب مختلفين في أزمنة وأمكنة مختلفة وبأنماط أدبية وخلفيات تاريخية وفكرية مختلفة وبخطوط ورسائل لاهوتية متنوعة، من قبل مجموعة من المدارس اللاهوتية المتنوعة، وتتوجه إلى متلقين مختلفين، خلال الفترة التي تمتد من القرن 8 ق.م إلى بداية القرن 2 م. بالإضافة لذلك، فإن معظم أسفار الكتاب المقدس هي نتاج أكثر من كاتب واحد، وفي بعض الأحيان أكثر من مدرسة لاهوتية واحدة، وكُتبت على فترات امتدّت أحيانًا لعدة قرون (على سبيل المثال، سفر أشعيا كُتب في الفترة بين القرنين 8-2 ق.م). نتيجة لذلك، يتضمن الكتاب المقدس الكثير من التنوع بين الأسفار المختلفة، وفي أحيان كثيرة في السفر نفسه. وبالتالي، فعن أي حرفية يتكلم أولئك الذين يصرّون على التعامل مع الكتاب المقدس بحرفية؟ وكيف يستطيع من يتبنى مثل هكذا حرفية أن يتعامل مع المفاهيم والرسائل المختلفة التي تقوده إليها حرفيته تلك في تعامله مع النصوص المختلفة؟ ودعونا هنا نشير، على سبيل المثال لا الحصر، لبعض حالات التنوع الواضحة جدًا في الكتاب المقدس بعهديه:
- يبدأ الكتاب المقدس بقصتي خلق مختلفتين في تكوين 1: 1—2: 3 وتكوين 2: 4-25 تختلفان عن بعضهما في كل شيء تقريبًا (طريقة الخلق (الكلمة، الفعل)، تسلسل الخلق، خلق الذكر والأنثى)) لكن الشيء المشترك الرئيسي بينهما هو أن الله هو الخالق.
- هناك تنوّع واختلاف في مفهوم الحكمة الذي تتبنّاه أسفار الحكمة الثلاثة في كتابنا المقدس، وهي الأمثال، أيوب والجامعة. لا بل إن سفرَي أيوب والجامعة يقومان، كلّ على طريقته، وبشكل واضح بالرد على سفر الأمثال ورفض المفهوم التقليدي للحكمة الذي يتبناه، ويقوم كل منهما بتقديم مفهوم حكمة مختلف عن سفر الأمثال كما عن بعضهما البعض.
- هل الربّ أم الشيطان هو من يدفع داود لاحصاء الشعب (2 صم 24؛ 1 أخ 21)؟
- يتضمّن الكتاب المقدس أربعة أناجيل مختلفة تتضمن العديد من التنوع والاختلاف في سردها لقصة يسوع وإرساليته من الميلاد حتى الصليب والقيامة (على سبيل المثال، لا يتضمن إنجيل مرقس قصة ميلاد بل يبدأ مباشرة مع معمودية يسوع في حين تتضمن قصتي الميلاد في متى ولوقا العديد من الاختلافات؛ ومن جهة أخرى يصرّ إنجيل متى على وجود اثنين من كل شيء (يشفي يسوع أعميين عوضًا عن أعمى واحد قرب أريحا (مت 20: 29-34 (قارن مع مر 10: 46-52؛ لو 18: 35-43))، ويدخل إلى أورشليم راكبًا على أتان وعلى جحش ابن أتان (مت 21: 2 (مر 11: 2؛ لو 19: 30)). فأي إنجيل منها يجب أن نقرأ بحرفية؟
- ما هي اللغة التي سنعتمدها لقراءة الكتاب المقدس بحرفية؟ هل هي اللغة العربية؟ وهل يمكننا الحديث عن أي حرفية عندئذ عندما نتذكر بأن ما نقرأه في الحقيقة هو ترجمة أو أخرى من ترجمات الكتاب المقدس المختلفة؟ فعن أي ترجمة عربية نتحدث، فاندياك، الكاثوليكية، الحياة، المشتركة… أم غيرها؟ فالعهد القديم كتب أساسًا باللغة العبرية مع أجزاء فيه كتبت باللغة اليونانية وبالآرامية، في حين أن العهد الجديد قد كتب أساسًا باللغة اليونانية، مع بعض التعابير الآرامية والعبرية. وحتى بتلك اللغات الأصليةـ يوجد في العالم اليوم مخطوطات مختلفة ونسخ مختلفة للعديد من الأسفار، دون أن تمثّل أي منها المخطوطة الأصلية للسِفر. فكل المخطوطات التي لدينا اليوم لأي سفر من أسفار الكتاب المقدس بعهديه هي نسخ لاحقة له وليست المخطوطة الأولى لذلك السفر. وتظهر المخطوطات المختلفة لنفس النص تنوعًا واختلافات فيما بينها؛ الأمر الذي يجعل علم النقد النصي أحد أهم وسائل دراسة نصوص الكتاب المقدس. وبالتالي فعلى كل من يصرّ على الحرفية في التعامل مع الكتاب المقدس أن يحدّد عن حرفية أية مخطوطة وأية ترجمة يتحدث!
- هناك تشابه وارتباط كبيرين لا يمكن إغفالهما أو التغاضي عنهما بين العديد من نصوص الكتاب المقدس ونصوص تعود إلى حضارات الشرق الأدنى القديم، وتسبق بتاريخ كتابتها نصوص الكتاب المقدس المشابهة لها وتمتلك تأثيرًا واضحًا عليها (مثلًا: التشابه بين قصة الخلق الكتابية الأولى (تك 1: 1—2: 3) وقصة الخلق البابلية (إينوما إيليش)، والتشابه بين قصة طوفان نوح (تك 6—9) وملحمة جلجامش وإتراحازيز). وهناك ارتباط واضح بين نصوص الحكمة الكتابية ونصوص الحكمة الآرامية والمصرية والبابلية. كما أن هناك تأثر كبير لدى بولس مثلًا في رسائله بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة. بالإضافة إلى الارتباط الواضح بين سفر الرؤيا وعلم الفلك اليوناني في القرن الميلادي الأول. بكلمات أخرى، هناك ارتباط وتأثر واضح بين العديد من نصوص الكتاب المقدس والحضارات المجاورة والثقافات السائدة، بشكل لا يترك معه مجالًا للشك بارتباط نصوص الكتاب المقدس بالحضارة السائدة وتأثرها بها.
- لم تتم إضافة النقاط والحركات (التنوين) إلى النسخة العبرية للعهد القديم إلى القرن السادس الميلادي، في حين كان يعتمد حتى ذلك الحين على التقليد في تحديد القراءة الصحيحة لكل نص وكلمة وحرف.
- لم يتم فصل الكلمات عن بعضها في أسفار العهد الجديد باللغة اليونانية إلا في القرن العاشر الميلادي. وحتى ذلك الحين كانت كلمات كل سفر تتصل ببعضها البعض دون توقّف من بداية السفر وحتى نهايته.
- لم يتم تقسيم أسفار الكتاب المقدس إلى إصحاحات إلا في القرن الثالث عشر الميلادي على يد المطران ستيفن لانغتون (Bishop Steven Langton) وذلك لأغراض أكاديمية تعليمية، بهدف مساعدته في تعليم تلامذته. في حين لم يتم تقسيم الإصحاحات إلى آيات إلا في القرن السادس عشر الميلادي، وذلك بعد اختراع المطبعة. والطريف أن ذلك لم يتم على يد لاهوتي وإنما بيد صاحب المطبعة الفرنسي روبرت إيتيان (Robert Etienne)، الذي كان خبيرًا في الطباعة وليس في اللاهوت.
- هناك حالات يجد فيها من يقرأ الكتاب المقدس بحرفية مشكلة واضحة في النص، كما هو الحال مثلًا في متى 27: 9-10، “فتمّ ما قاله النبي إرميا: ’وأخذوا الثلاثين من الفضة، وهي ما اتفق عليه بعض بين إسرائيل على أن يكون ثمنه، ودفعوها ثمنًا لحقل الخزاف. هكذا أمرني الرب.’” حيث ينسب إنجيل متى اقتباسه ذاك إلى سفر إرميا، لكنه في الحقيقة غير موجود في إرميا، بل في زكريا 11، 12-13!!!
- في النهاية، يؤدي الإصرار على حرفية الكتاب إلى وضع الكتاب في مواجهة خاسرة سلفًا مع العلم الذي يؤكد أن عمر الأرض يبلغ حوالي 4,5 مليون سنة وعمر الإنسان على الأرض يزيد على 200,000 سنة وليس فقط 6,000 سنة، وأن الأرض كروية وهي كوكب صغير يدور حول الشمس في مجموعة شمسية تقع في طرف مجرة درب التبانة التي تقع في طرف كون مترامي الأطراف، على العكس من الصورة التي ينتجها أخذ الكتاب المقدس بحرفية والتي تجعل الأرض عبارة جسم مسطّح (بسيطة) تحت قبة السماء التي تتعلق فيها الشمس والقمر والنجوم وتنفتح فيها نوافذ يهطل من خلالها المطر؛ وهو الأمر الذي أدى إلى إدانة علماء عظماء ككوبرنيكوس وغاليلو على يد الكنيسة نفسها. وبالتالي، فعلى من يصرّ على قراءة الكتاب بطريقة حرفية أن يتحمل نتائج تلك القراءة الكارثية على مصداقية الكتاب وبالتالي على الإيمان المسيحي ككل. وعلينا أن ندرك هنا أنه لا يمكن التعامل مع تلك المشكلة بمجرد وضع الرأس تحت التراب ورفض العلم وكل اكتشافاته في حال تعارضها مع حرفية الكتاب. فالمشكلة ليست في العلم؛ كما أنها ليست في الكتاب؛ ولكنها في طريقة تعاملنا معه.
الكون بحسب تكوين 1: 1—2: 3
(http://biologos.org/blog/the-firmament-of-genesis-1-is-solid-but-thats-not-the-point)
كيف يجب أن نتعامل مع الكتاب المقدس إذًا؟
كما رأينا أعلاه، يرفض الكتاب المقدس الحرفية، أي حرفية، في التعامل معه، لأن الحرفية تتناقض وطبيعته، وتؤدي فيما تؤدي إليه إلى كوارث فيما يتعلق بمصداقية الكتاب وقيمته ومرجعيته وفيما يتعلق بالمسيحية وبالإيمان المسيحي بشكل عام. وبالتالي، فإن رفض طبيعة الكتاب المقدس للحرفية يعني تلقائيًا أن الكتاب المقدس يسمح لا بل ويطلب دراسته بطرق مختلفة وأساليب متنوعة، شرط أن تكون أمينة لرسالة الكتاب وطبيعته. وبالتالي، فنحن لن نقوم هنا باقتراح طريقة واحدة محدّدة لدراسة الكتاب، ولكننا سنقوم بالأحرى بوضع خطوط رئيسة لا بد من ادراكها والالتزام بها في دراسة الكتاب المقدس بمختلف الطرق والأساليب والمنهجيات:
- الكتاب المقدس هو المرجع الأول للكنيسة في فهم إيمانها ووضع وتطوير عقائدها.
- ليس هناك مسيحية دون الإيمان والاعتراف بالعهد القديم كجزء لا يتجزأ من كتابنا المقدس. فالعهد القديم هو الكتاب المقدس ليسوع وللكنيسة الأولى. وليس من الممكن فهم العهد الجديد من دون العهد القديم، حيث أننا في حال قمنا بحذف كل ما هو موجود في العهد الجديد ويرتبط بالعهد القديم، سواء بأن يقتبسه أو يشير إليه أو يبني عليه أو يرد عليه، فلن يبقى من العهد الجديد إلا ما يشكل 12 صفحة فقط لا غير!!!!
- المشكلة ليست في العهد القديم، ولكن في طريقة فهمنا له وتعاملنا معه. وتجنُّب العهد القديم يسمح لمن يريدون اساءة استخدامه، عن قصد أو عن غير قصد، بأن يفعلوا به ما يشاؤون. فالطريقة الوحيدة للدفاع عن العهد القديم بطريقة فاعلة هي باستخدام العهد القديم نفسه، وذلك عبر قراءته ودراسته والتعامل معه بشكل صحيح، يتناسب وطبيعته ورسالته.
- الكتاب المقدس ليس كتاب تاريخ أو جغرافية أو علوم، رغم تضمنه للعديد من المعلومات التي ترتبط بتلك المواضيع بحسب لغة ومفاهيم العصر الذي كتب فيه النص لتلك العلوم، كما مفاهيم العصر للأدب والكتابة وغيرها. لكن الكتاب المقدس هو قبل أي شيء آخر كتاب إيمان ولاهوت يشهد عن إيمان شعب الله وفهمه لإلهه ولعلاقته بذلك الإله ولفهمه للحياة في ضوء تلك العلاقة في ظروف وأزمنة ولاهوت وخلفيات مختلفة ومتنوعة. وتعكس أسفار الكتاب المقدس المفاهيم اللاهوتية والأدبية والعلمية للعصر الذي كتبت فيه. وبالتالي، فذلك يعني ما يلي:
- لا يجوز استخدام الكتاب المقدس على أنه كتاب تاريخ أو جغرافية أو علوم طبيعية، فهو مرجعنا الإيماني واللاهوتي الأول.
- يمكن اعتماد الكتاب المقدس كأحد المراجع لفهم تلك العلوم المختلفة في سياقها وفي زمان كتابة النص.
- لا بد من أخذ السياق الذي كتب فيه كل نص بعين الاعتبار عند دراسة وفهم ذلك النص إيمانيًا ولاهوتيًا.
- يعتبر مفهوم الكاتب المفرد مفهومًا يونانيًا غريبًا على الشرق الأدنى القديم الذي كتبت فيه أسفار العهد القديم. ولذلك فأسفار الكتاب المقدس المختلفة هي نتاج عمل جماعة إيمان وليس شخص واحد، وقد كتبت معظم تلك الأسفار بأيد متنوعة وخلال فترات طويلة تمتد أحيانًا لعدة قرون، وهي لذلك تعكس في كثير من الأحيان تنوعًا في اللاهوت الذي تتضمنه وتقدمه. وكما ذكرنا أعلاه، كمثال على ذلك، فإن سفر أشعيا النبي قد كتب بشكله الحالي خلال فترة تمتد من القرن 8 إلى القرن 2 ق.م، وخلال فترات وظروف ومن قبل أصوات ومدارس لاهوتية متنوعة ومختلفة. وبالتالي، فمن الهامّ خلال دراستنا لأي من تلك الأسفار أن نقبل ونفهم ذلك، ونستمع لمختلف الأصوات اللاهوتية التي يحملها السفر. ومن الهامّ أن نشير هنا إلى أن التسمية الأصلية لأسفار العهد القديم كانت تعتمد الكلمة الأولى من السفر، فمثلًا سفر التكوين يدعى بسفر بريشيت (في البدء)، كدليل على عدم نسبها إلى كاتب معين. ونحن في الشرق الأوسط، حتى يومنا هذا، لا زلنا حضارات وثقافات “جمعية” وليس “فردية”، أي أننا نعطي أهمية كبرى للجماعة، سواء العائلة أو العشيرة أو المنطقة أو الكنيسة أو الطائفة وغيرها، والتي تلعب دورًا أساسيًا في تحديد هوية الفرد وثقافته لا بل وقيمته.
- التاريخ، سواء بمفهومه القديم أو مفهومه المعاصر، هو مفهوم غريب بالنسبة للعهد القديم. فقد تمّ تأليف الكتاب المقدس قبل حوالي الألفي سنة على تطوّر مفهوم التاريخ المعاصر، في حين أن مفهوم التاريخ في العالم القديم هو مفهوم يوناني غريب على الفكر الشرق الأوسطي ويختلف عن المفهوم المعاصر للتاريخ. فمفهوم التاريخ اليوناني القديم كان يعتمد على تجميع وترتيب وتنظيم وإعادة انتاج مواد تقليدية تعود إلى “الماضي” من وجهة نظر الكاتب. أما المفهوم المعاصر للتاريخ فيقوم على دراسة كل المواد والاثباتات الموجودة والتي تعود إلى الماضي ومحاولة تحديد الاحتمال الأكبر لما يمكن أن يكون قد حصل. مع ضرورة الانتباه هنا إلى أن التاريخ غير مكافئ للماضي، ولكن التاريخ هو بالأحرى كيفية تلقّي ورؤية وفهم الماضي في الحاضر. من جهة أخرى، كان علم الميثولوجيا، وهو العلم الذي يتحدث عن الماورائيات والآلهة وعن كل ما يتعلّق بها وبعلاقتها مع الكون والبشر، هو العلم ذو المستوى الأرفع والأهم في العصر الذي كتبت فيه أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس، قبل أن تنضمّ إليه الفلسفة اليونانية كالعلم الأرفع والأسمى الثاني في العصر الذي كُتبت فيه أسفار العهد الجديد. ومن الهامّ أن ندرك هنا أن مفهوم الميثولوجيا الذي أشرنا إليه أعلاه يختلف بشكل كبير عن فهمنا المعاصر للميثولوجيا كأساطير وخرافات لا أساس لها من الصحة. وبالتالي، فكتّاب العهد القديم لم يكونوا يعرفون مفهوم التاريخ، ولم يكونوا يكتبون تاريخًا، ولكنهم كانوا يكتبون قصتهم مع الله، وحيث العلم الأهم بالنسبة لهم كان علم الميثولوجيا، وهو كما ذكرنا كان في العصر القديم العلم الذي يدور حول الآلهة والماورائيات وعلاقتها بالبشر، في عصر لم يكن يعتبر فيه أي من ذلك خرافات. وفقط مع مجيء الثقافة الهلينية اليونانية بعد سيطرة الاسكندر المقدوني دخل مفهوم التاريخ إلى منطقتنا، وتبنّته النسخة اليونانية السبعينية وهي النسخة التي تقوم، كما سنرى أدناه، بإعادة ترتيب عدد من الأسفار لتنتج ما يسمى بالأسفار التاريخية.
- نحن نؤمن في المسيحية بوجود ثلاث مستويات مختلفة لكلمة الله: كلمة الله المتجسدة (يسوع المسيح)، كلمة الله المكتوبة (الكتاب المقدس) والتي تشهد عن كلمة الله المتجسدة، وكلمة الله المعلنة في حياة الكنيسة والتي تعلن الكلمة المكتوبة لتشهد للكلمة المتجسدة. وبالتالي، فمفهومنا للكتاب المقدس يختلف تمامًا عن المفهوم المسيطر على المفهوم الإسلامي للقرآن. حيث أن الكتاب المقدس لا يمثّل كلمة الله المنزلة بالنسبة لنا كمسيحيين، بما أن كلمة الله المنزلة بالنسبة لنا هي يسوع المسيح شخصيًا، كلمة الله المتجسدة (يو 1: 1). بكلمات أخرى، الكشف الإلهي في المسيحية ليس معلومات أو تعليمات ولكنه شخص. أما الكتاب المقدس فهو كلمة الله المكتوبة التي تشهد لتلك الكلمة المتجسدة. وهذه الكلمة المكتوبة قد كُتبت بأيدٍ بشرية بإرشاد من روح الله، مع الحفاظ على الضعف البشري لمن كتبوها ومحدوديتهم في المعرفة والعلم والقدرة والإدراك واللاهوت. ولذلك فمن الطبيعي أن نجد أخطاء لغوية وكتابية وعلمية في كتابنا المقدس الذي، كما ذكرنا أعلاه، يرفض بطبيعته الحرفية والأصولية. أما مفهوم عصمة الكتاب المقدس، الذي نؤمن به، هو ليس في حرفية الكتاب، ولكن في أمانته في الشهادة لله. وبالتالي، فعصمة الكتاب لا تعني عدم تضمنه لأية أخطاء ولكنها تعني أمانته في الشهادة لله وفي قيادة من يقرأه بإيمان للوصول إلى الله؛ وسلطان الكتاب المقدس هو سلطان الشاهد الأمين الذي يكون أمينًا في نقل ما يعرفه. ومن الهامّ أن ندرك هنا أن الكتاب المقدس نفسه يعلن نقدًا ورفضًا لا لبس فيهما لأي سلطة توضع في مرتبة السلطة المطلقة لله، بما في ذلك سلطة الكتاب المقدس نفسه.
- لا تفهم المسيحية الوحي بمعنى التنزيل أو حتى التلقين، ولكن الوحي، أي عمل الروح القدس من خلال الكتاب المقدس، يتمّ في المسيحية على أربعة مستويات ومراحل مختلفة: (1) الحدث الذي اختبره شعب الله أو القصة التي أثّرت في حياة شعب الله ويقف/تقف وراء النص المكتوب؛ (2) كتابة النص الذي يشهد لذلك الحدث أو تلك القصة، والذي يتمّ ويتطوّر ويعكس كما أشرنا أعلاه خلفية لاهوتية وتاريخية وأدبية معينة؛ (3) قوننة السفر الذي يتضمن ذلك النص والذي مرّ عبر رحلة معينة في حياة شعب الله قبل أن يصل إلى نهايته في المجامع الكنسية في القرن الرابع الميلادي؛ (4) تفاعل المؤمن الذي يقرأ النص مع ذلك النص في كل زمان ومكان، والذي بدونه لا يختبر من يقرأ الكتاب المقدس كلمة الله الفاعلة في ذلك الكتاب. فبدون هذه المرحلة الرابعة يبقى الكتاب المقدس بالنسبة لمن يقرأه مجرّد كلمة بشرية، أو كتاب من العصر القديم أو من التراث الإنساني أو أي شيء آخر. ولكن فقط بالتفاعل مع الكتاب المقدس بالروح القدس وقراءته بعيون الإيمان يكون الكتاب المقدس كلمة الله الفاعلة والحية بالنسبة لمن يقرأه.
- كتبت أسفار الكتاب المقدس المختلفة خلال زمن كانت الكتابة تعتبر فيه شيئًا ثمينًا جدًا لا يقدّر بثمن بقيمته وتأثيره، بشكل نعجز عن إدراكه في عالمنا المعاصر اليوم حيث أصبحت الكتابة والطباعة وإنتاج الكتب أمرًا بالغ الانتشار والسهولة. ولذلك فلم يكن يتمّ تدمير أي نص إلا من قِبَل أعداء الشعب الذي أنتج ذلك النص وفي حال انتصارهم على ذلك الشعب، أما أبناء الشعب نفسه فيقومون في حال تبنّيهم للاهوت أو لموقف مخالف للّاهوت أو للموقف الذي يتبنّاه ذلك النص بإدخال لاهوتهم وموقفهم إلى النص نفسه وتطويره وتعديله من الداخل. وذلك هو تمامًا ما حصل مع أسفار كتابنا المقدس المختلفة خلال رحلة تأليف كل منها؛ الأمر الذي يتجلى في التنوع والحوار اللاهوتي الذي يظهر جليًا بين وفي العديد من أسفار الكتاب المقدس.
- في النهاية، نحن كمسيحيين في الشرق الأوسط المتألم اليوم مدعوّون لندرك بأن الكتاب المقدس بحد ذاته هو إنتاج شعب الله في وسط الأزمات. فالكتاب المقدس هو إعلان وشهادة إيمان من قِبَل شعب الله في مواجهة الامبراطوريات التي كان يعيش بينها وتحت سيطرتها وفي وسط صراعاتها ونزاعاتها. فمنطقة الشرق الأوسط كانت دائمًا منطقة تلاقي وصراع بين الامبراطوريات الكبرى في العالم. فالشرق الأدنى القديم كان نقطة التقاء قارّات العالم القديم، حيث تصارعت وتواجهت الامبراطوريات المتعاقبة وتبادلت السيطرة على منطقة سورية وفلسطين القديمتين فيما بينها، الآشوريين والبابليين والفرس من جهة، والمصريين واليونانيين والرومان من جهة أخرى. والكتاب المقدس هو صرخة إيمان وشهادة إيمان شعب الله في مواجهة ذلك وفي وسط كل ذلك. الكتاب المقدس يتفاعل مع ثقافات الشعوب المسيطرة لكي يعلن من خلال ذلك حقائق إيمانية عظيمة لشعب اختبر وأدرك أن الإله الذي يؤمن به هو خالق كل الكون، وإله كل الشعوب وله السلطان والمجد والنصر في النهاية.
بعد أن نأخذ كل ما سبق بعين الاعتبار في تعاملنا مع العهد القديم، والكتاب المقدس بشكل عام، نستطيع أن ننتقل الآن لإلقاء نظرة على العهد القديم وأقسامه المختلفة.
العهد القديم:
يتألف العهد القديم في الكتاب المقدس بنسخته الإنجيلية من 39 سفرًا، في حين يضاف إلى تلك الأسفار 7 أسفار أخرى في النسختين الكاثوليكية والأرثوذكسية. تلك الأسفار السبعة الإضافية يدعوها الإنجيليون بالأبوكريفا ويعتبرونها أسفارًا غير قانونية، في حين يعتبرها الكاثوليك أسفارًا قانونية ثانوية (Deuterocanonical)، أي من درجة ثانية، في الوقت الذي يعتبرها فيه الأرثوذكس أسفارًا قانونية بشكل كامل. ولكننا سنعتمد هنا تسميتها “بالأسفار المكتوبة أصلًا باليونانية”. ويرتفع عدد الأسفار الإضافية إلى 15 سفر في النسخة الأثيوبية الأرثوذكسية للعهد القديم. ومن الهامّ أن نشير هنا إلى أن الأسفار القانونية هي الأسفار التي تعتبر أسفارًا ذات سلطان ومرجعية في حياة الكنيسة وبناء لاهوتها. من جهة أخرى، ترفض جميع الكنائس، وكذلك اليهودية، مجموعة كبيرة من الأسفار والتي تدعى بالأسفار المنحولة (Pseudepigrapha).
ويعود الاختلاف في عدد الأسفار بين الإنجيليون والكاثوليك والأرثوذكس إلى النسخة التي اعتمدها كل طرف في ترجمة العهد القديم. فمارتن لوثر وبعده باقي المصلحين اختاروا أن يترجموا العهد القديم من اللغة الأصلية أي العبرية، وبالتالي اعتمدوا الأسفار الموجودة في تلك النسخة (وهي نفس الأسفار التي يتألف منها الكتاب المقدس اليهودي). في حين اعتمد الكاثوليك والأرثوذكس على النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم، والتي تضمّ، بالإضافة للنسخة اليونانية للأسفار الموجودة في النسخة العبرية، تلك الأسفار السبعة الإضافية والتي لا يوجد مقابل لها في النسخة العبرية.
لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الإنجيليين ورغم ترجمتهم لأسفار العهد القديم من النسخة العبرية له والتزامهم بالأسفار التي تتضمنها، إلا أنهم حافظوا على ترتيب الأسفار الموجود في النسخة اليونانية السبعينية، وهو نفس الترتيب المعتمد من قبل الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية. وبالتالي، فجميع الكنائس تعتمد الترتيب الموجود في النسخة اليونانية السبعينية لأسفار العهد القديم، بالطبع مع وجود الأسفار السبعة الإضافية (الأسفار المكتوبة أصلًا باليونانية) في النسختين الكاثوليكية والأرثوذكسية، أو مع غياب تلك الأسفار السبعة في النسخة الإنجيلية، بحسب الزاوية التي ينظر الشخص من خلالها إلى الأمر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع الكنائس تتّفق اليوم على ترجمة أسفار العهد القديم من اللغة الأصلية لها، وبالتالي، فجميع الكنائس تعتمد اللغة العبرية في ترجمة العهد القديم في الترجمة العربية المشتركة للكتاب المقدس.
وقبل تقديم جدول يقارن بين النسختين العبرية واليونانية السبعينية للعهد القديم والأسفار التي تضمّها والأجزاء الرئيسية التي تنقسم إليها كل منهما، دعونا نشير إلى أن الأسفار الموجودة في النسخة العبرية قد كتبت في الفترة التي تمتدّ من القرن 8 ق.م إلى القرن 2 ق.م، في حين أن النسخة اليونانية السبعينية قد بدأت كتابتها في القرن 2 ق.م واستمرّت حتى نهايات القرن الأول الميلادي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه، بالإضافة إلى الأسفار التي هي إضافية بشكل كامل، تتضمن النسخة اليونانية السبعينية عدة إضافات إلى عدد من الأسفار الموجودة في النسخة العبرية.
النسخة العبرية | النسخة اليونانية السبعينية
(مع الاكتفاء بذكر اسم السفر والالتزام بالأسفار المقبولة في الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية؛ على أن تتم الإشارة إلى الأسفار المكتوبة أصلًا باليونانية بالحرف (ي)) |
||||
1. التوراة
(5 أسفار) |
– التكوين
– الخروج – اللاويين – العدد – التثنية |
1. التوراة
(5 أسفار) |
– التكوين
– الخروج – اللاويين – العدد – التثنية |
||
2. الأنبياء
(8 أسفار) |
الأولون أو السابقون
(4 أسفار) |
– يشوع
– القضاة – صموئيل (تم قبول تقسيمه إلى سفرين في القرن 16 م) – الملوك (تم قبول تقسيمه إلى سفرين في القرن 16 م) |
2. الأسفار التاريخية
(12 + 4 سفر) |
– يشوع
– القضاة – راعوث – صموئيل الأول (المملكة الأول) – صموئيل الثاني (المملكة الثاني) – الملوك الأول (المملكة الثالث) – الملوك الثاني (المملكة الرابع) – أخبار الأيام الأول – أخبار الأيام الثاني – عزرا – نحميا – طوبيا (ي) – يهوديت (ي) – أستير – المكابيين 1 (ي) – المكابيين 2 (ي) |
|
اللاحقون أو المتأخرون
(4 أسفار) |
– إشعياء
– إرميا – حزقيال – الاثني عشر |
||||
3. الكتابات
(11 سفر) |
– المزامير
– الأمثال – أيوب – الجامعة – نشيد الأنشاد – المراثي – راعوث – أستير – نشيد الأنشاد – عزرا-نحميا (تم قبول تقسيمه إلى سفرين في القرن 16 م) – أخبار الأيام (تم قبول تقسيمه إلى سفرين في القرن 16 م) – دانيال |
3. الأسفار الأدبية والشعرية
(5 + 2 سفر) |
– أيوب
– المزامير – الأمثال – الجامعة – نشيد الأنشاد – الحكمة (ي) – يشوع بن سيراخ (ي) |
||
4. الأسفار النبوية
(17 + 1 سفر) |
الكبار
(5 + 1 سفر) |
– إشعياء
– إرميا – باروخ (ي) – المراثي – حزقيال – دانيال |
|||
الصغار
(12 سفر) |
– هوشع
– يوئيل – عاموس – عوبديا – يونان – ميخا – ناحوم – حبقوق – صفنيا – حجي – زكريا – ملاخي |
وكما هو موضّح في الجدول أعلاه، فإن النسخة العبرية للعهد القديم، وبالتالي، الكتاب المقدس اليهودي، لم تقبل اعتماد تقسيم كل سفر من أسفار صموئيل، الملوك، أخبار الأيام، وعزرا-نحميا إلى اثنين، وهو الأمر المعتمد في النسخة اليونانية السبعينية، إلا في القرن السادس عشر الميلادي. فالسبعينية هي من قامت بتقسيم كل سفر من تلك الأسفار إلى اثنين، في حين استمرت النسخة العبرية باعتبار كل منها سفرًا واحدًا حتى القرن 16 م.
أما فيما يتعلق بقوننة أسفار العهد القديم قد تمّت على مراحل. حيث بدأت مع التوراة ومن ثم الأنبياء في القرن 2 ق.م، وهما معًا ما كان يمثّل الكتاب المقدس في زمن يسوع (انظر مت 5: 17؛ 22: 40؛ لو 16: 16؛ يو 1: 45)، وهي اللائحة التي يشير إليها ابن سيراخ في القرن 2 ق.م. مع الإشارة إلى أن لو 24: 44 تشير أيضًا إلى قوننة عدد من المزامير إلى جانب التوراة والأنبياء. في حين لم تتم قوننة الكتابات إلا مع نهاية القرن الميلادي الأول. وتتضمن كتابات البحر الميت، التي تم العثور عليها ابتداءً من منصف القرن العشرين ميلادي، وتعود إلى الفترة الممتدة من القرن 2 ق.م إلى القرن 1 م على نسخ لجميع أسفار العهد القديم (السفر كامل أو أجزاء منه) باستثناء سفر إستير، والذي يعتبر السفر الوحيد بين الأسفار القانونية في العهد القديم الذي يغيب بشكل كامل عن مخطوطات البحر الميت. مع الإشارة إلى أن تلك المخطوطات تتضمن الكثير من الأسفار غير القانونية. ومن الهامّ أن ندرك هنا أن اغلاق العهد القديم وقوننته بشكل نهائي لم تتمّ إلا مع انتهاء رحلة الكنيسة في قوننة الكتاب المقدس المسيحي في القرن الرابع الميلادي.
وبذلك، نكون قد أصبحنا هنا مستعدين لالقاء نظرة على رحلة تطور كل جزء من أجزاء العهد القديم المختلفة.
التوراة:
تعتبر التوراة قلب الكتاب المقدس اليهودي، والجزء الأشهر من العهد القديم، لا بل كثيرًا ما يستعمل الاسم للإشارة للعهد القديم بأكمله. لكن الحقيقة هي أن التوراة تتألف من الأسفار الخمسة الأولى للعهد القديم من الكتاب المقدس، بكلا نسختيه العبرية واليونانية السبعينية وبالتالي كل الترجمات المبنية عليهما، وتلك الأسفار هي: التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، والتثنية.
والتعبير العبري “توراه”، والذي يطلق على الأسفار الخمسة معًا، ويظهر 220 مرة في العهد القديم، يشتق من الجذر “يره”، ويأتي بصيغة تعني تعليم، تعليمات، واتجاه، وليس، كما هو شائع، قانون بالمعنى الحرفي للكلمة. وتتضمن التوراة العديد من القصص بالإضافة إلى الشرائع والقوانين والوصايا والتي عادة ما ينظر إليها على أنها مركز التوراة وناموس حياة شعب الله والتي يبلغ عددها كاملة في الأسفار الخمسة 613 وصية.
وقد قام التقليدان اليهودي والمسيحي ولفترة طويلة بنسب التوراة إلى موسى النبي، والذي اعتبر على أنه هو شخصيًا من كتب التوراة، التي دعيت لذلك ولا زال الكثيرون يدعونها باسمه، توراة موسى، رغم أن التلمود والتقليد اليهودي قد اعتبرا بأن بعض النصوص في التوراة لا يمكن أن تكون قد كتبت بيد موسى، كما هو الحال مع قصة موت موسى أو تعابير مثل “إلى هذا اليوم” “وأرض العبرانيين” (خر 24: 4؛ 34: 27؛ 40: 15؛ تث 1: 1، 5؛ 3: 14؛ 4: 45؛ 31: 9، 24؛ 34: 5-12…).
واستمر الاعتقاد بكتابة موسى للتوراة، باستثناء تلك الأجزاء التي اعتبر بأنها قد أضيفت لاحقًا، بنوع من الاجماع إلى أن بدأ بعض الباحثين البروتستانت واليهود، وخلال عصر النهضة، بتحدي ذلك الاعتقاد. وفي الوقت الذي استمرت فيه الكنيسة في الاصرار على نسب التوراة لموسى، اعتبرت اليهودية ومنذ القرن 16 م أن التوراة إنما كتبت في الزمن الذي عاش فيه عزرا ونحميا بحسب التقليد، أي في نهايات القرن 6 وبدايات القرن 5 ق.م.
ولكن ومع عصر النهضة، ارتفعت الأصوات التي بدأت بتحدي ذلك الاعتقاد السائد، وذلك نتيجة للادراك المتزايد أن العديد من نصوص التوراة تشير إلى أنها نتاج عمل أكثر من كاتب وأن التوراة لا يمكن بالتالي أن تكون من نتاج كاتب واحد، سواء موسى أو غيره. وقد اعتمدت تلك الأصوات والنظريات التي طرحتها على الوقائع التالية، على سبيل المثال لا الحصر:
- وجود أكثر من نسخة مختلفة لعدة قصص في التوراة، كما هو الحال مع قصة الخلق (تك 1: 1—2: 3؛ 2: 4-25)، وقصة عهد الله مع ابراهيم (تك 15 / 17)، وقصة طرد ابراهيم لهاجر (تك 16 / 21)، وقصة دعوة الله لموسى (خر 3 / 6)، ولائحة الوصايا العشر (خر 20 / 34 / تث 5).
- وجود اختلافات واضحة في تحديد كم زوجًا من الحيوانات أخذ نوح معه إلى الفلك (تك 7: 2 / 8-9)؛ وفترة استمرار الطوفان في قصة نوح (تك 8: 3 / 6)؛ وسبب ذهاب يعقوب إلى حاران (27: 41-44 / 27: 46—28: 5).
- كيف أمكن لموسى أن يكتب التوراة في الوقت الذي لم تكن فيه الأبجدية العبرية قد طوّرت بعد ناهيك عن الأبجدية بشكل عام. فالأبجدية تعود إلى بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد، ولم تتطور الأبجدية العبرية حتى القرن 8 ق.م، في حين أن موسى من المفترض أنه عاش وكتب التوراة في حوالي القرن 15—13 ق.م!!
- بالإضافة إلى كل ذلك، ماذا عن التشابه الكبير بين نصوص مختلفة وهامة في التوارة (الخلق، الطوفان، الشريعة…) والعديد من نصوص حضارات الشرق الأدنى القديم التي تمّ اكتشافها ودراستها خلال القرنين الثامن عشر وخاصة التاسع عشر. وكيف نفسّر ذلك، إذا ما تذكّرنا بأن تلك النصوص تعود إلى فترة تسبق كتابة نظيراتها في الكتاب المقدس؟
أمام كل ذلك، طرحت العديد من النظريات حول هوية كاتب التوراة وزمن كتابتها إلى أن قام اللاهوتي الألماني يوليوس فلهاوزن (Julius Wellhausen) في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 م بتقديم نظريته الشهيرة جدًا للمصادر المختلفة للتوراة والتي أصبحت حجر الأساس لمختلف نظريات كتابة التوراة، والتي أعلنت جميعها نهاية الاعتقاد التقليدي بكتابة موسى للتوراة، إلا لدى من يصرّون على اغماض أعينهم ورفض رؤية الحقيقة الواضحة.
وتتلخّص نظرية فلهاوزن، التي استمرت بخطوطها الرئيسية حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين، في اعتبار أن التوراة إنما هي نتيجة لجمع أربعة مصادر أو تقاليد مختلفة مع بعضها وبشكل متداخل أنتج النص الحالي للتوراة. ويدعو فلهاوزن تلك التقاليد الأربعة باليهوي Yahwist (J)(نسبة إلى يهوه = الرب (YHWH))، والإلوهيمي Elohist (E) (نسبة إلى إلوهيم = الله (Elohim))، والتثنوي Deuteronomistic source (D or Dtr) (نسبة إلى سفر التثنية (Deutronomy))، والكهنوتي Priestly source (P). وتعتبر نظرية فلهاوزن بأن كل تقليد من تلك التقاليد إنما أنتج العديد من النصوص والآيات لا بل وأحيانًا أجزاء من الآيات التي تشكل التوراة بشكلها الحالي في كتابنا المقدس، وأن التوراة إنما هي في الحقيقة نتيجة لتطوير تلك المصادر ودمجها مع بعضها البعض وبشكل متداخل إلى أبعد حد، ولكن دون إلغاء العلامات الواضحة لكل مصدر من المصادر الأربعة. وبالتالي، فيمكن للدارس المختص والذي يعرف الميزات اللاهوتية والأدبية لكل مصدر أن يقوم بفصل النصوص التي تنتمي إلى التقاليد المختلفة عن بعضها البعض.
نظام فلهاوزن لتطور التوراة
وقد اعتمد نظام فلهاوزن على نطاق عالمي وتحولت نظريته إلى مسلَّمة بالنسبة لكثيرين، وتم تطوير النظام وتعديله من قبل مدارس مختلفة قسَّمت كل مصدر من المصادر إلى مجموعة من المصادر الفرعية المختلفة بطرق مختلفة ومتنوعة ساهمت في تعقيده إلى حد بعيد وافقاده الكثير من نقاط قوته واقناعه. واستمر ذلك إلى منتصف سبعينيات القرن العشرين عندما تمّ، واعتمادًا على الكثير من الدراسات الأثرية والتاريخية واللغوية، إطلاق نظريات تسعى إلى العودة إلى أسس نظرية فلهاوزن ولكن مع تعديلها، بحيث يتمّ تجنب الغرق في التقسيمات المتشعبة التي تفتقد إلى الأسس اللاهوتية والأدبية الواضحة وتتحوّل إلى الغاية بحد ذاتها، بحيث يصبح تقسيم التوراة إلى مصادر هو الهدف عوضًا عن أن تكون تلك المصادر وسيلة لفهم كيفية تطور التوراة إلى شكلها الحالي.
وهكذا، ومنذ منتصف سبعينيات القرن العشرين بدأ تقليص عدد المصادر واعتماد فقط المصادر التي تمتلك ميزات وأسس لاهوتية وأدبية واضحة. حيث تم بداية الاستغناء عن التقليد الإلوهيمي (E) ومن ثم، بعد فترة، عن التقليد اليهوي (J)، بما أنه تبين للباحثين عدم وجود أي حاجة لأي منهما لتفسير مصدر نصوص التوراة المختلفة التي تنتمي بكاملها إلى أحد تقليدين رئيسيين، هما التقليد الكهنوتي (P) والتقليد التثنوي (D)، مع بعض الإضافات اللاحقة عليهما والتي تتبنى كل منها الخط اللاهوتي لأحدهما، وهي النظرية السائدة اليوم، والتي يعتمدها هذا البحث لكيفية تكوّن وتطوّر التوراة.
وبحسب الموقف العلمي السائد في يومنا هذا، تتضمن التوراة تقليدين رئيسيين هما التقليد الكهنوتي (P) والتقليد التثنوي (D) مع إضافات لاحقة تتبع خط أحدهما، وبشكل تكون معه النصوص والآيات والعبارات التي تنتمي التقليدين كما إلى الإضافات اللاحقة هي جميعها متداخلة بشكل كبير في قلب نصوص التوراة المختلفة. ويتميز هذان التقليدان عن بعضهما البعض بشكل واضح في الفكر اللاهوتي والأسلوب الأدبي لكل منهما؛ الأمر الذي يجعل تمييزهما عن بعضهما أمرًا متاحًا وممكنًا ويجعل فصلهما عن بعضهما ليس بالأمر الصعب للمختص.
حيث أن التقليد الكهنوتي، والذي تمّت كتابته في حدود 520-515 ق.م، يمثل رواية واحدة متكاملة تتألف من حوالي 700 آية تبدأ بقصة الخلق الأولى في تكوين 1: 1 وتنتهي مع نصب الشعب لخيمة الاجتماع في شيلوه في يشوع 18: 1. وتلك الرواية المتصلة والمتسلسلة والمتكاملة، التي تبني على قصص من الماضي وأخرى من زمن كتابتها، تتبنى لاهوت نعمة عالمي منفتح يعتبر بأن الله هو إله كل الكون وخالقه، وليس فقط إله إسرائيل، وهو إله نعمة لا يميز بين إنسان وآخر بناءً على الشعب أو العرق أو الجنس، حيث أن كل إنسان، مهما كان جنسه، لونه، عرقه، مرتبته الاجتماعية، أو دينه، هو مخلوق على صورة الله وله نفس الأهمية أمام الله (تك 1: 26-28). وبالتالي فالله هو ليس إله إسرائيل وحدها ولكنه الله (إلوهيم) إله السموات والأرض وكل ما فيهما، خالق الكون، وإله جميع الشعوب، الذي يخلق بكلمته ويرفض كل أشكال العنف، وتعتمد علاقتنا به على نعمته هو، والذي تعرّفت عليه إسرائيل باسم يهوه في اختبار الخروج (خر 6: 2)، ولكنه ليس إله اسرائيل وحدها وهي لا تمتلك حقًا حصريًا به.
أما التقليد التثنوي فهو مجموعة من النصوص والقصص المختلفة التي لا تشكل قصة متتابعة ولكنها تسجل تقاليد وقصص بعضها سابقة وأخرى لاحقة للتقليد الكهنوتي، ولكن تمت كتابتها كلها بشكلها الحالي بشكل لاحق لكتابة التقليد الكهنوتي، وذلك في النصف الثاني من القرن 5 ق.م، وإدخالها في قلب رواية التقليد الكهنوتي ودمجها بها في مواضع عديدة على طولها، بشكل أخفى بنية رواية التقليد الكهنوتي واستمراريتها لا بل ولاهوتها. ويتميز التقليد التثنوي بلاهوته الضيق الأصولي الذي يعتبر بأن علاقتنا بالله تعتمد على استحقاقنا كونه إله ثواب وعقاب يميز بين إنسان وآخر بحسب العرق والشعب والجنس، فيميز الرجل عن الأنثى واليهودي عن غير اليهودي ويتبنى إسرائيل شعبًا مختارًا له دونًا عن باقي الشعوب، التي يحاربها يهوه نيابة عن شعبه ولأجله.
وهكذا فالتوراة تجمع من بدايتها وحتى نهايتها هذين التقليدين وملحقاتهما بشكل متداخل إلى أبعد حد، وإن كان توزيعهما ونسبة كل منهما تتنوع وتختلف بين سفر وآخر. لكن وجودهما معًا وجنبًا إلى جنب، يجعل التوراة ما هي عليه اليوم. ولهذا مثلًا لدينا قصتي خلق، فقصة الخلق الأولى (تك 1: 1—2: 3) تنتمي إلى التقليد الكهنوتي، في حين تنتمي قصة الخلق الثانية (تك 2: 4-25) إلى التقليد التثنوي. ولهذا أيضًا لدينا قصتين لعهد الله مع ابراهيم، حيث تنتمي القصة الموجودة في تكوين 15 إلى التقليد التثنوي، في حين تنتمي القصة الموجودة في تكوين 17 إلى التقليد الكهنوتي.
وبالتالي، فالتوراة كما نعرفها اليوم تعود بشكل كبير إلى حوالي سنة 400 ق.م، حيث تمّت عملية دمج التقليدين الكهنوتي والتثنوي، عبر إدخال المواد التابعة للتقليد التثنوي في قلب رواية التقليد الكهنوتي، رغم دخول عدد من الإضافات اللاحقة عليها بعد ذلك وحتى كتابة النسخة اليونانية السبعينية في القرن 2 ق.م. وعليه يمكننا تلخيص مراحل تكون التوراة على الشكل التالي:
- تقاليد وقصص مؤسسة لشعب الله (الخروج، العهد، رابط الدم (يعقوب)).
- كتابة الرواية الخاصة بالتقليد الكهنوتي (حوالي سنة 520-515 ق.م).
- كتابة وإدخال المواد الخاصة بالتقليد التثنوي (في النصف الثاني من القرن 5 ق.م).
- التوارة كما نعرفها إلى حد كبير (حوالي سنة 400 ق.م).
- إضافات لاحقة تتبنى أحد الخطين اللاهوتيين السابقين حتى كتابة النسخة اليونانية السبعينية (القرن 2 ق.م).
لكن الأمر الأهم الذي نستنتجه مما سبق هو أن العهد القديم منذ أولى نصوصه، وعلى امتداد التوراة، التي تشكل مركز الثقل في هذا الجزء من كتابنا المقدس، يمثل مرآة للتنوع اللاهوتي الذي طالما تواجد في حياة شعب الله في العهدين القديم والجديد. ويدعونا، بالتالي، كيما نتعلم عن كتبة التوراة ونقبل تنوعنا وننظر إليه كمصدر غنى في جسد المسيح الواحد.
الأسفار “التاريخية”
يعرف الجزء الثاني من أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس المسيحي، تقليديًا، بالأسفار “التاريخية”، ويشمل 12 سفرًا كانت مكتوبة أساسًا في النسخة العبرية للعهد القديم، بالإضافة إلى 4 أسفار كانت مكتوبة أصلًا باليونانية. وعادة ما يُنظر إلى هذا الجزء، كما يشير اسمه، إلى أنه يضمّ مجموعة من الأسفار التي تدور وتنقل تاريخ إسرائيل ما بين موت موسى والدخول إلى الأرض إلى السبي ومن ثم العودة من السبي، وصولًا إلى ثورة المكابيين ضد حكم السلوقيين في القرن 2 ق.م مع الأسفار اليونانية.
وكما أشرنا سابقًا، ما لا ندركه عادة هو أن هذه النظرة إلى هذه الأسفار، لا بل ووضعها بهذا التسلسل، إنما هو موجود فقط في الكتاب المقدس المسيحي، في حين تختلف النظرة إليها وتصنيفها وتحديد نوعها ورسالتها في الكتاب المقدس اليهودي. أما سبب هذا الاختلاف فيعود كما ذكرنا أعلاه، إلى حقيقة أن المسيحية، بمختلف كنائسها، إنما اختارت أن تتبع التسلسل والتقسيم الموجود في النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم، والذي يختلف عن التسلسل والتقسيم الموجود في النسخة العبرية للعهد القديم، وهي النسخة التي تعتمدها اليهودية. لا بل وحتى المصلحين، ورغم ترجمتهم للعهد القديم من النسخة العبرية، بسبب اصرارهم على العودة إلى اللغة الأصلية، إلا أنهم حافظوا على نفس تسلسل وتقسيم الأسفار الموجود في الترجمة السبعينية المعتمدة لدى الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية. وجميع الكنائس اليوم لا زالت تعتمد ذلك الترتيب، بغض النظر عن اللغة التي تترجم منها أسفار العهد القديم. وبالتالي، فجميع الكنائس المسيحية حافظت على تصنيف تلك الأسفار كأسفار “تاريخية”؛ الأمر الذي يتناقض مع تصنيفها الأصلي والنظرة الأصلية لها والغرض الرئيسي من كتابتها والرسالة التي تنقلها، أو كان المقصود بها أن تنقلها، والذي لا علاقة له بالتاريخ. ودعونا هنا نلقي نظرة مقارنة سريعة بين تصنيف تلك الأسفار في النسخة السبعينية، وبالتالي العهد القديم المسيحي، وتصنيفها الأصلي في النسخة العبرية للعهد القديم.
الأسفار “التاريخية” في العهد القديم | تصنيف السفر في النسخة العبرية للعهد القديم |
1- يشوع | الأنبياء السابقون |
2- القضاة | الأنبياء السابقون |
3- راعوث | الكتابات |
4- صموئيل الأول | الأنبياء السابقون (سفر واحد مع صموئيل الثاني حتى القرن 16 م) |
5- صموئيل الثاني | الأنبياء السابقون (سفر واحد مع صموئيل الأول حتى القرن 16 م) |
6- الملوك الأول | الأنبياء السابقون (سفر واحد مع الملوك الثاني حتى القرن 16 م) |
7- الملوك الثاني | الأنبياء السابقون (سفر واحد مع الملوك الأول حتى القرن 16 م) |
8- أخبار الأيام الأول | الكتابات (سفر واحد مع الأخبار الثاني حتى القرن 16 م) |
9- أخبار الأيام الثاني | الكتابات (سفر واحد مع الأخبار الأول حتى القرن 16 م) |
10- عزرا | الكتابات (سفر واحد مع نحميا حتى القرن 16 م) |
11- نحميا | الكتابات (سفر واحد مع عزرا حتى القرن 16 م) |
طوبيا | غير موجود |
يهوديت | غير موجود |
12- إستير | الكتابات |
المكابيين الأول | غير موجود |
المكابيين الثاني | غير موجود |
وكما ذكرنا أعلاه، يعتبر مفهوم التاريخ مفهومًا غريبًا على الحضارة اليهودية وعلى الكتاب المقدس، الذي هو ليس كتاب تاريخ، سواء بالمفهوم اليوناني القديم للتاريخ أو بالمفهوم المعاصر له، رغم تضمّن الكتاب المقدس لبعض المعلومات التاريخية بحسب مفاهيم العصر الذي كتب بها كل سفر. أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس هي في النسخة العبرية الأصلية ثلاثة أنواع، توراة وأنبياء وكتابات، دون أي وجود لأية أسفار “تاريخية”. فأسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك هي أسفار أنبياء، لأنها تقوم بإعلان كلمة الله للشعب، وهذا هو تعريف النبي. وأسفار راعوث، أخبار الأيام، عزرا، نحميا، وإستير هي أسفار كتابات، لأنها أسفار أدبية من أنماط أدبية مختلفة تقوم بإعلان رسالة لاهوتية هامة. لكن أيًا من هذه الأسفار هو ليس سفرًا تاريخيًا سواء بالمعنى اليوناني أو المعاصر، حيث لم يكن مفهوم التاريخ موجودًا لدى شعوب منطقتنا.
لكن عندما تمت كتابة النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم في القرن الثاني قبل الميلاد، كان الفكر اليهودي قد تأثر بالثقافة الهلينية (الهلنستية) اليونانية التي جاءت إلى منطقتنا مع الاسكندر الأكبر في النصف الثاني للقرن الرابع قبل الميلاد، وتبنّى المفهوم اليوناني الهليني للتاريخ. ومن الهامّ أن ندرك هنا أن كتابة النسخة اليونانية السبعينية قد تمّت في مدينة الاسكندرية، إحدى أهم عواصم الثقافة في الحضارة الهلينية (الهلنستية)، وفي الفترة التي كانت فيها عملية كتابة “تاريخ” مختلف الشعوب الخاضعة للممالك الهلينية في أوجها، وبشكل خاص في مكتبة الاسكندرية الشهيرة. ففي القرنين 3—2 ق.م تمت في مكتبة الاسكندرية كتابة “تاريخ” مختلف الشعوب القديمة. وعليه فقد قام كاتبو السبعينية، الذين كانوا هلينيي الثقافة، والذين قاموا بما هو أكثر من مجرد ترجمة أسفار العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، بتبنّي مفهوم التاريخ اليوناني ومحاولة تقديم “تاريخ” لاسرائيل. فكما هو الحال في أية ترجمة، قام كتاب السبعينية بإجراء تعديلات متنوعة على أسفار العهد القديم من إضافة وحذف لمقاطع متنوعة، تعديل لمعاني كلمات وآيات، بالإضافة لذلك، قاموا بإضافة عدد من الأسفار التي لم تكن موجودة في النسخة العبرية. وكل تلك التعديلات هي شيء طبيعي ومتوقع لأن كل مترجم أو كاتب يضيف فكره ويقدّم ما يكتبه بطريقته ومن وجهة نظره، وبحسب الثقافة والحضارة والخلفية الأدبية والتاريخية واللاهوتية التي يكتب فيها، وبحسب الجمهور الذي يتوجه إليه والرسالة التي يريد أن يعلنها. وعلينا ألا ننسى هنا أن ذاك إنما تم في زمن كانت فيه عملية الإضافة على ما هو مكتوب وتعديله هي أمر طبيعي ومقبول، حيث لا وجود لمفهوم الكاتب المفرد، والنص هو إنتاج حضارة وثقافة وشعب وجماعة ومدرسة أدبية ولاهوتية، خصوصًا أن ذلك حصل في فترة لم تكن فيها عملية قوننة العهد القديم قد تمت وانتهت.
ومن بين التعديلات التي قام بها كتّاب السبعينية هو تعديل مواضيع بعض الأسفار وترتيبها بطريقة معينة “منطقية” وإجراء بعض التعديلات أحيانًا في بداياتها أو نهاياتها بشكل تصبح فيه متسلسلة وتقدّم “تاريخًا” لإسرائيل، بما أن مفهوم التاريخ اليوناني السائد آنذاك كان يقوم كما ذكرنا أعلاه عل تجميع وترتيب وتنظيم وإعادة تقديم المواد القديمة؛ وهذا هو بالذات ما قام به كتّاب السبعينية مع “الأسفار التاريخية”. وكما ذكرنا أعلاه، فإن عملية مشابهة لكتابة “تواريخ” شعوب أخرى قد تمّت في الاسكندرية في نفس الوقت.
وبالتالي، فالأسفار التاريخية في العهد القديم هي مجموعة من أسفار الأنبياء والكتابات التي تمّت إعادة ترتيبها وتنظيمها وتعديلها وربطها ببعضها على أيدي كتّاب السبعينية في القرن 2 ق.م لتصبح أسفارًا “تاريخية”، بحسب مفهوم التاريخ اليوناني. وإدراك ذلك هو أمر هام جدًا بالنسبة لنا في تعاملنا مع تلك الأسفار. فهذه الأسفار لا تقدّم لنا تاريخًا لإسرائيل في مرحلة دخول الأرض والمملكة والسبي وما بعد السبي، ولا يجوز أن نستخدمها بأي شكل بطريقة حرفية للحصول على تاريخ لإسرائيل في تلك المرحلة. لكن هذه الأسفار هي أسفار نبوية وأدبية تقدّم لنا رسائل لاهوتية هامة من قصة شعب الله مع إلهه، في ثقافة كانت تؤمن بأن قصة الإله مع شعبه هي قصة حيّة تتكرر في حياة ذلك الشعب في الحاضر، وليست مجرد حدث حصل في الماضي وانتهى. ورغم كون بعض هذه الأسفار، كأسفار صموئيل والملوك وعزرا-نحميا، تتضمن بعض المعلومات التاريخية، وتستخدم بالتالي من قِبَل الباحثين كأحد مصادر كتابة تاريخ منطقة الشرق الأدنى القديم، فإن كل تلك المعلومات تعكس التاريخ الذي كُتبت فيه أكثر بكثير مما تعكس تاريخ الحدث الذي تشير إليه؛ وهي الطريقة التي تستخدم بها تلك الأسفار، أو على الأقل بعض النصوص فيها، من قبل الباحثين والمؤرخين كأحد المصادر التاريخية (إلى جانب نصوص الشعوب الأخرى والاكتشافات الأثرية) في محاولة كتابة تاريخ منطقة الشرق الأدنى القديم. ولا يخفى على أحد أهمية مثل هكذا حقيقة في الصراع المتعلق بدولة إسرائيل المعاصرة وما تعلنه عن “تاريخها” في الأرض و”الامبراطورية” الداودية-السليمانية.
من جهتها، استمرت النسخة العبرية للعهد القديم في اعتبار الأسفار الرئيسية في الأسفار التاريخية، يشوع، القضاة، صموئيل والملوك أسفار أنبياء، تعلن كلمة الله للشعب، وتدعوه ليفهم حياته ويعيشها في ضوء تلك الكلمة. وتلك هي الطريقة التي يفهمها على أساسها الكتاب المقدس اليهودي حتى يومنا هذا. لكن تلك الطريقة هي الطريقة التي علينا أن نعيد احياءها ونؤكد عليها كمسيحيين شرق أوسطيين، حيث تستخدم العهد القديم، أو بالأحرى يساء استخدامه، لأسباب وأغراض وأهداف ومصالح سياسية واقتصادية، مع كل ما يتضمنه ذلك من عنف وألم ومعاناة وموت. فَهْم رحلة تكوّن الأسفار التاريخية، وإعادة قراءتها كما يجب أن تكون عليه، كأسفار نبوية وكتابات، هو وسيلة هامة نستطيع أن نستخدمها لندافع عن العهد القديم من قلب العهد القديم ونواجه بالكلمة كل عنف وشر وألم وموت باسم ذلك الجزء الهام من كتابنا المقدس.
الأسفار الأدبية والشعرية
الجزء الثالث من أسفار العهد القديم في كتابنا المقدس هو الجزء الذي يعرّف بالأسفار “الأدبية والشعرية”ـ والذي يشمل خمسة أسفار في النسخة العبرية للعهد القديم هي أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة ونشيد الأنشاد، بالإضافة إلى سفرين كُتبا أصلًا باليونانية في السبعينية، هما الحكمة (حكمة سليمان) ويشوع بن سيراخ. وتدعى تلك الأسفار بالأسفار الأدبية والشعرية كونها جميعها تأخذ باللغة العبرية الأصلية التي كتبت بها نمطًا شعريًا في أغلب أجزائها.
وكما هو الحال مع الأسفار “التاريخية”، فإن هذا التصنيف والترتيب للأسفار الخمسة التي توجد في النسخة العبرية وتنتمي إلى الأسفار “الأدبية والشعرية” في العهد القديم المسيحي يتبع تصنيفها وترتيبها في النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم. في حين أن الأسفار الخمسة تنتمي وبترتيب مختلف تمامًا إلى ما يعرف بأسفار الكتابات في النسخة العبرية للعهد القديم، حيث تأخذ الترتيب التالي: المزامير، الأمثال، أيوب، نشيد الأنشاد، راعوث، المراثي، الجامعة، استير، دانيال، عزرا—نحميا (سفر واحد)، وأخبار الأيام (سفر واحد).
وتشكّل الأسفار “الأدبية والشعرية” في العهد القديم المصدر الرئيسي للباحثين في دراسة الشعر في إسرائيل القديمة بشكل خاص وأحد المصادر الهامة في دراسة الشعر في الشرق الأدنى القديم بشكل عام. وفي نفس الوقت، تشكّل تلك الأسفار “الأدبية والشعرية” المصدر الرئيسي للباحثين في دراسة أدب الحكمة الكتابي وأحد المصادر الهامة في دراسة أدب الحكمة في الشرق الأدنى القديم، كونها تتضمن جميع أسفار الحكمة الموجودة في العهد القديم، سواء الثلاثة الموجودة في النسخة العبرية والتي هي أسفار أيوب، الأمثال والجامعة، أو الاثنين الاضافيين المكتوبين أصلًا باليونانية، أي الحكمة وابن سيراخ.
الأسفار الأدبية والشعرية، سواء الخمسة أو الاثنين الإضافيين، هي أسفار مختلفة تم جمعها مع بعضها في جزء واحد كونها تتمتع بميزات أدبية، وأخرى لاهوتية، خاصة. وينسب التقليد أربعة من تلك الأسفار السبعة إلى الملك سليمان، وهي أسفار الأمثال، الجامعة، نشيد الأنشاد والحكمة. في حين ينسب التقليد سفر المزامير إلى داود، وسفرَي أيوب وابن سيراخ للشخصين الذين يحملان اسميهما.
ولكن أي دراسة، ولو سطحية، تظهر بأن سفر المزامير نفسه ينسب أكثر من نصف مزاميره لشخصيات أخرى غير داود (73 مزمور منسوبة بحسب عنوانها لداود في النسخة العبرية للعهد القديم)، وسفر الأمثال ينسب أجزاء عديدة منه لآخرين غير سليمان، وسفر الجامعة لا يحمل اسم سليمان من أساسه، وسفر أيوب لا يدّعي بأن كاتبه هو أيوب نفسه. في حين أن أي دراسة جدّية وعميقة لهذه الأسفار تظهر، فيما تظهر، الأمور التالية:
- الأدب الشعري الكتابي يرتبط بشكل كبير، من حيث الشكل والمضمون، مع الأدب الشعري في الشرق الأدنى القديم.
- يرتفع عدد المزامير المنسوبة لداود إلى 85 في النسخة اليونانية السبعينية!!! في حين أن التلمود هو من يقوم في مرحلة لاحقة بنسب كل سفر المزامير إلى داود، في الوقت الذي تتضمن فيه مخطوطات البحر الميت نصًا يشير إلى أن داود قد قام بتأليف 3600 مزمور بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من القصائد بحيث سيصل عددها الكلي إلى 4050.
- هناك عدم ارتباط واضح، يصل إلى حد التناقض، في كثير من الأحيان بين عناوين الكثير من المزامير والشرح الذي تتضمنه من جهة ومحتوى تلك المزامير من جهة أخرى. فمثلًا، من المفترض أن المزمور 30 هو أغنية لداود تتعلق بتدشين الهيكل، لكن محتوى المزمور يشير إلى أنه نشيد حمد وشكر فردي بعد اختبار شفاء من مرض أو ضعف ما؛ الأمر الذي يشير إلى أن عناوين المزامير، بما في ذلك نسبها لداود، قد تمت إضافتها في مرحلة لاحقة لتأليف المزامير نفسها.
- سفر الأمثال يتبنّى المفهوم التقليدي للحكمة في الشرق الأدنى القديم، والذي لا زال هو المفهوم التقليدي السائد في عالمنا، وخاصة في منطقتنا الشرق أوسطية اليوم. وذلك المفهوم هو مفهوم “المجازاة” أو الثواب والعقاب. وبالتالي، فسفر الأمثال هو النسخة الكتابية لسفر حكمة يتبنّى ذلك المفهوم.
- سفر الأمثال نفسه يعترف بأنه يتضمن مجموعات مختلفة من النصوص التي كُتبت في أزمنة وبأيدي كتّاب مختلفين. وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى وجود ارتباط واضح وتشابه كبير بين سفر الأمثال والعديد من أسفار الحكمة في الشرق الأدنى القديم، وعلى رأسها كتاب حكمة أحيقار الآرامي ونص أمينوموبيت المصري.
- سفرَي أيوب والجامعة يردّان بشكل واضح على سفر الأمثال، ومفهومه التقليدي للحكمة، ويتضمنان العديد من النقاط التي تشير إلى أنهما كُتبا في مرحلة لاحقة ولم يبلغا شكلهما النهائي إلا في الفترة الفارسية إن لم يكن الهلينية.
- يتألف سفر أيوب من جزئين رئيسيين، إطار روائي نثري (أي 1—2؛ 42: 7-17) وجسم رئيسي شعري (3: 1—42: 6)، يختلفان عن بعضهما بشكل كبير وواضح في الشكل والمحتوى.
- سفر نشيد الأنشاد يسخر من سليمان بشكل واضح، حيث لا يظهر سليمان في السفر سوى مرتين (3: 6-11؛ 8: 8-13) وبشكل يمثل فيه سليمان السلطة التقليدية التي يتحداها السفر باسم الحب.
- سفر حكمة سليمان كتب أساسًا في النسخة اليونانية السبعينية، بعد عدة قرون من الفترة التي من المفترض أن سليمان قد عاش فيها.
كل ما سبق يثبت بأن الأسفار الأدبية والشعرية هي مجموعة من الأسفار المختلفة، التي مرّ كلّ منها برحلة تطوّر طويلة، وبحيث تتألّف في معظمها من تجميع لأجزاء مختلفة يعود كل منها لكاتب مختلف وفي سياق مختلف، وفي حوار واضح مع أدب حضارات الشرق الأدنى القديم كما في حوار واضح فيما بينها، ولم تبلغ تلك الأسفار شكلها النهائي إلا في مرحلة متأخرة، بحيث لم تتم قوننتها إلا في نهاية القرن الميلادي الأول، وإن كانت لو 24: 44 تشير إلى أن عددًا من المزامير كان يعتبر قانونيًا عند كتابة الإنجيل في ثمانينيات القرن 1 م؛ وهو الأمر الذي تؤكده مخطوطات البحر الميت.
الأسفار النبوية
أما الجزء الأخير من أسفار العهد القديم في كتابنا المقدس المسيحي فهو الجزء الذي يعرف بالأسفار النبوية. وينقسم هذا الجزء، كما رأينا أعلاه، إلى جزئين، الأنبياء الكبار والأنبياء الصغار. ويتألف الأنبياء الكبار من 5 أسفار موجودة في النسخة العبرية للعهد القديم وسفر واحد كتب أصلًا باللغة اليونانية، في حين يتألف الأنبياء الصغار من 12 سفر.
وكل ذلك التقسيم والتصنيف هو، كما هو الأمر مع كل أجزاء العهد القديم الأخرى، في إتّباع وتبنّي لتصنيف وتقسيم الأسفار في النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم. أما في النسخة العبرية للعهد القديم فتتألف أسفار الأنبياء من 8 أسفار تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما الأنبياء السابقون أو الأولون والأنبياء المتأخرون أو اللاحقون.
أسفار الأنبياء في النسخة العبرية
(كما في الكتاب المقدس اليهودي) |
أسفار الأنبياء في النسخة السبعينية اليونانية
(كما في العهد القديم للكتاب المقدس المسيحي) |
الأنبياء السابقون (الأولون) | الأنبياء الكبار |
– يشوع (ينتمي إلى “الأسفار التاريخية” في السبعينية) | – أشعيا |
– القضاة (ينتمي إلى “الأسفار التاريخية” في السبعينية) | – إرميا |
– (1—2) صموئيل (ينتميان إلى “الأسفار التاريخية” في السبعينية) | – باروخ (كتب أصلًا باليونانية)
|
– (1—2) الملوك (ينتميان إلى “الأسفار التاريخية” في السبعينية) | – المراثي (ينتمي إلى “الكتابات” في النسخة العبرية) |
– حزقيال | |
– دانيال (ينتمي إلى “الكتابات” في النسخة العبرية) | |
الأنبياء اللاحقون (المتأخرون) | الأنبياء الصغار |
– أشعيا | – هوشع |
– إرميا | – يوئيل |
– حزقيال | – عاموس |
– سفر الاثني عشر | – عوبديا |
– يونان | |
– ميخا | |
– ناحوم | |
– حبقوق | |
– صفنيا | |
– حجي | |
– زكريا | |
– ملاخي |
ومن الهامّ أن نشير هنا إلى أن هذا التصنيف لأسفار الأنبياء إلى أسفار أنبياء كبار وأسفار أنبياء صغار في السبعينية، ومن بعدها الكتاب المقدس المسيحي، يعتمد، كما ذكرنا سابقًا، على حجم السفر، وليس على أهميته. فالنبي هو سفر، والأنبياء الكبار هم أسفار نبوية كبيرة، في حين أن الأنبياء الصغار هم أسفار نبوية صغيرة. أو على الأقل، هكذا من المفترض أن يكون الأمر، لأن ذلك التصنيف ليس دقيقًا دائمًا، فأسفار هوشع وعاموس وزكريا هي أكبر بكثير من سفر المراثي مثلًا.
وفي معظم المخطوطات القديمة التي تمّ العثور عليها للعهد القديم، العبرية منها واليونانية، تكتب أسفار الأنبياء الصغار، جميعها أو معظمها، على مخطوطة واحدة، أي أنها تعامَل، بشكل أو بآخر، كسفر واحد. ويشير سفر يشوع ابن سيراخ إلى أن هذه الأسفار كانت تعامَل في القرن 2 ق.م كوحدة أدبية. وبحسب التلمود البابلي، فإن الأسطر الأربعة التي يجب تركها فارغة بين كل سفر وآخر من أسفار العهد القديم الأخرى، عند كتابة العهد القديم بأكمله على مخطوطة واحدة، يجب أن تختصر إلى ثلاثة أسطر فارغة بين أسفار الأنبياء الصغار. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن هذه الأسفار لا تستخدم لنفسها لقب سفر، ولكن ألقاب “كلام/كلمات” و”رؤيا” و”وحي”.
ودعونا نشير هنا إلى وجود ترتيبين مختلفين لأسفار الأنبياء الصغار في النسخة اليونانية السبعينية وأنبياء سفر “الاثني عشر” في النسخة العبرية للعهد القديم، كما هو مبيّن في الجدول أدناه:
السبعينية | هوشع | عاموس | ميخا | يوئيل | عوبديا | يونان | ناحوم | حبقوق | صفنيا | حجي | زكريا | ملاخي | |||
العبرية | هوشع | يوئيل | عاموس | عوبديا | يونان | ميخا | ناحوم | حبقوق | صفنيا | حجي | زكريا | ملاخي | |||
ولفهم تطور الأسفار النبوية في العهد القديم لا بد لنا هنا من إلقاء نظرة عامة سريعة على مفهوم النبوة الكتابيّ وعلى تطوره الأدبي.
فكلمة نبي في اللغة العبرية تأتي من الفعل نبى، والذي لا يزال معناه يعاني من الكثير من الغموض. وفي محاولتهم لتفسير الكلمة، يشير الباحثون إلى الفعل الآكادي، نبو، والذي يعني “ينادي” أو “يعلن”، وبالتالي يصبح النبي هو “من يعلن أو ينادي”، أو “من يُدعى”، أو كلا الاثنين.
تقليديًا، الأنبياء في العهد القديم هم أشخاص يدعون أنهم قد عاشوا اختبارًا مباشرًا لله ويحملون بالتالي رسائل من الله لشعبهم بطرق ووسائط مختلفة تتراوح من الإعلانات الشفهية إلى القيام بأفعال رمزية تبلغ حد التطرف في كثير من الأحيان (انظر مثلًا حز 4 و5؛ 12؛ هو 1…).
وتثبّت الأبحاث التاريخية اليوم وجود أشخاص لعبوا دور الأنبياء لدى مختلف حضارات الشرق الأدنى القديم ابتداءً من القرن التاسع قبل الميلاد. في حين سيطر نوع آخر من الشخصيات في المرحلة التي سبقت ذلك كالرائي والمتطير (الذي يقرأ الغيب) وغيرها. وقد كان الدور الرئيسي للأنبياء هو لعب دور الوسيط بين الآلهة والبشر من خلال حمل كلمة الآلهة للبشر. وقد بدأ دور الأنبياء في بلاط الملوك الآشوريين ولدعم حكم أولئك الملوك واضفاء شرعية “إلهية” على ذلك الحكم. فالأبحاث التاريخية الحديثة تثبت أن أول “كتب” نبوية تعود إلى كتبة البلاط الآشوري في القرن 8 ق.م، وفي خدمة البلاط الآشوري مع “كتابة” نصوص نبوية تهدف إلى اثبات شرعية حكم الملوك الآشوريين.
يمكننا اعتبار أن الأسفار النبوية الكتابية الأقدم قد بدأت بنفس الشكل وفي ذات السياق، أي في بلاط الملوك ولدعم شرعية أولئك الملوك. وهكذا، فالباحثون يعتبرون اليوم أن مفهوم النبوة قد تطوّر في إسرائيل في بلاط الملك يربعام الثاني مع شخصية النبي إليشع في القرن 8 ق.م. ومن هناك بدأ تطور أسفار الأنبياء. لكن تلك الأسفار قد مرّت برحلة طويلة من التطور والتحرير والإضافات والتعديل إلى أن وصلت إلى شكلها النهائي الموجود في العهد القديم من كتابنا المقدس. وهكذا، فسفر إشعياء على سبيل المثال قد بدأ في النصف الثاني من القرن 8 ق.م في بلاط الملك حزقيا غالبًا مع شخص النبي إشعياء بن آموص، ومن ثم عاش رحلة طويلة من التطور على يد مدارس لاهوتية متنوعة إلى أن وصل إلى شكله الحالي في القرن 2 ق.م. وعليه، فالنبي إشعياء الذي نعرفه هو ليس ذاك الشخص الذي من المفترض أنه عاش في النصف الثاني من القرن 8 ق.م، ولكنه السفر الذي تطوّر لفترة امتدت لحوالي الستة قرون وحمل تأثيرًا كبيرًا على كتّاب أسفار العهد الجديد وفي حياة شعب الله في العهدين القديم والجديد وحتى يومنا هذا.
وهكذا فالدراسات الحديثة تثبت أن لقب النبي قبل أن يشير إلى نشاط مجموعة من الأفراد المعينين، فإنه إنما يشير إلى نمط أدبي معين. فالأنبياء الكتابيون هم بناء أدبي أكثر منهم تسجيل وقائع حياة أشخاص في التاريخ. وحتى في حالة وجود نبي كشخص تاريخي يقف خلف السفر النبوي الذي يحمل اسمه، فإن ذلك السفر بصيغته التي وصل بها إلينا في الكتاب المقدس قد مرّ بمراحل عديدة من التعديل والإضافات، مما يجعل بناء أي رابط مباشر بين السفر والشخص أمرًا بالغ الصعوبة والتعقيد ويجعل القدرة على تحديد ما قاله النبي التاريخي أمرًا شبه مستحيل. وبالتالي، فجميع محاولات تحديد الكلمات الأصلية للنبي هي محاولات فاشلة وبلا معنى، بما أن السفر هو من ينتج النبي وليس العكس.
ومن الهامّ أن ندرك هنا أن النبي الكتابي ليس عرّافًا أو قارئ غيب. فالنبي لا يرى المستقبل ويعلنه بطريقة سحرية عجائبية، لكنه يحلّل الواقع وينتقده في ضوء كلمة الله ويعلن أن هذا الواقع لا بدّ وأن يقود إلى “هذا المستقبل” في ضوء تلك الكلمة. النبي في المفهوم الكتابي هو من يعلن كلمة الله لشعبه في وسط واقعه الذي يعيش فيه. وبذلك المعنى، الأنبياء الكتابيون هم أسفار وليسوا أشخاصًا، بما أن أسفار الأنبياء هي النبي الذي يعلن كلمة الله لشعبه في وسط واقعه الذي يعيش فيه.
وبالتالي، فإن دراسة الأدب الكتابي النبوي تشهد ثورة حقيقية اليوم. حيث، تقليديًا، كان هناك عدة طرق لتصنيف الأنبياء: كبار / صغار.. سابقون / لاحقون.. كلاسيكيون (كتبوا نصوص) / غير كلاسيكيين (لم يكتبوا نصوص). وفي المفهوم التقليدي لتطور النبوة في اسرائيل، كان ينظر إلى أنبياء مثل إيليا وإليشع وغيرهما من الأنبياء الذين لم يتركوا أي أثر مكتوب على أنهم تمهيد للأنبياء الكلاسيكيين الذين يتضمن الكتاب المقدس نصوصًا منسوبة إليهم كإشعياء وإرميا وميخا… الخ، والذين بدأ وجودهم بالتراجع والاندحار مع سقوط أورشليم ودمارها على يد البابليين في سنة 586 ق.م. أما الأبحاث الكتابية والتاريخية اليوم فترى في دمار أورشليم المفعل الرئيسي عوضًا عن العامل المحبط للأدب النبوي الكتابي، الذي لما كان من معنى له ولوجوده لولا دمار أورشليم والهيكل وسبي الشعب الذي يمثل مع العودة من السبي وإعادة بناء أورشليم والهيكل الموضوع الرئيسي لكل الأدب النبوي الكتابي. وبالتالي، يمثل كتبة قرون ما بعد السبي (ما يعرف بمرحلة الهيكل الثاني) الآباء الفعليين لهذا الأدب، حيث أن كتابة جميع الأسفار النبوية الكتابية قد انتهت في القرنين 3—2 ق.م. وهكذا فالأسفار النبوية في العهد القديم ليست نتاجًا لأنبياء ولكن لكتبة وكهنة استخدموا مفاهيم و”أقوال” نبوية لإنتاج نصوص نبوية تقدّم مفاهيم لاهوتية هامة في حياة شعب الله في زمان كتابتها، ومن ثم في كل زمان ومكان.
ومع النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم خضعت الأسفار النبوية لتعديلات مختلفة، منها تعديل في محتوى معظم إن لم يكن كل سفر من تلك الأسفار، ومنها تعديل في تقسيم وتصنيف تلك الأسفار. حيث تحوّلت أسفار الأنبياء السابقين جميعها إلى أسفار “تاريخية”. وأصبحت أسفار الأنبياء اللاحقين، بعد إضافة المراثي ودانيال وباروخ إليها، وتحوّل سفر الاثني عشر إلى اثني عشر سفر نبي “صغير”، هي “الأسفار النبوية” في العهد القديم. ومن الهامّ أن ندرك هنا أن جميع التمهيدات والمقدّمات الموجودة في بدايات الأسفار النبوية حول الكاتب وتاريخ الكتابة هي إضافات لاحقة تمت إضافتها في مراحل متأخرة من تطور السفر.
وهكذا فالأنبياء الذين تحدث من خلالهم الروح القدس هم كتبة أسفار الكتاب المقدس وليسوا أشخاصًا أعلنوا كلمة الله إعلانًا شفويًا في وقت ما من التاريخ. فالنبي كما قلنا هو من يعلن كلمة الله لشعبه. وآباء الكنيسة كانوا يدركون ذلك ويتبنّون ذلك حيث اعتبروا أن الكتاب المقدس بعهديه هو وحده “من” يعلن كلمة الله لشعبه وأن والكنيسة مدعوة، في كل زمان ومكان، لتكون نبوية في حمل كلمة الله لواقعها وفي تحدي ذلك الواقع في ضوء تلك الكلمة.
خاتمة
لقد حاول هذا البحث أن يلقي نظرة على العهد القديم ورحلة تطوره وتكونه بأجزائه المختلفة حتى وصل إلى شكله الحالي الذي نعرفه عليه في كتابنا المقدس. وقد حاول هذا البحث خلال قيامه بذلك تقديم نظرة أكثر أمانة للعهد القديم والكتاب المقدس ككل، ومساعدة القارئ على فهم العهد القديم والكتاب المقدس بطريقة أفضل والتجاوب مع شهادة ورسالة ودعوة الإيمان التي يحملها هذا الجزء الهام من مرتكز إيماننا المسيحي، الكتاب المقدس.
فالعهد القديم هو شهادة إيمان شعب الله في وسط أزماته لقصته مع الله ولعلاقته بذلك الإله ولفهمه لحياته في ضوء تلك العلاقة. وبذلك فالعهد القديم يتحدث معنا كمسيحيين نعيش في الشرق الأوسط المضطرب اليوم. والعهد القديم يدعونا لنرى قصة الله مع شعبه كقصة حية وفاعلة لنا اليوم، ولكي نشارك نحن في اختبار هذه القصة والشهادة لها في وسط الأزمة والألم والمعاناة، كشعب أمين لله ولرسالة ملكوته، رسالة المحبة والحرية والعدالة والسلام والرجاء لكل الخليقة.
References:
Barton, John & Julia Bowden
2005 The Original Story: God, Israel, and the World (Grand Rapids, Michigan: Eerdmans).
Birch, Bruce C., Walter Brueggemann, Terence E. Fretheim & David L. Petersen
1999 A Theological Introduction to the Old Testament, (Nashville: Abingdon Press).
Blenkinsopp, Joseph
2004 Treasures Old & New: Essays in the Theology of the Pentateuch, (Grand Rapids / Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Company).
Brueggemann, Walter
2003 An Introduction to the Old Testament: The Canon and Christian Imagination (Louisville, Kentucky: Westminster John Knox Press).
Childs, Brevard S.
1979 Introduction the Old Testament as Scripture (Minneapolis: Fortress Press).
Coogan, Michael D. & Cynthia R. Chapman
2017 The Old Testament: A Historical and Literary Introduction to the Hebrew Scriptures (Oxford: Oxford University Press).
Davies, Philip R.
1998 Scribes and Schools: The Canonization of the Hebrew Scriptures (Louisville, Kentucky: Westminster John Knox Press).
2008 Memories of Ancient Israel: An Introduction to Biblical History – Ancient and Modern (Louisville, Kentucky: Westminster John Knox Press).
Edelman, Diana V., Philip R. Davis, Christophe Nihan & Thomas Römer
2012 Opening the Books of Moses (Sheffield: Equinox).
Edelman, Diana V. & Ehud Ben Zvi (eds.)
2009 The Production of Prophecy: Constructing Prophecy and Prophets in Yehud (Sheffield: Equinox).
Ellinger, Karl & Wilhem Rudolph (chief eds.)
1990 Biblia Hebraica Stuttgartensia (4th edition, Suttgart: Deutsche Bibelgesellschaft).
Foster, Benjamin R.
1997 ‘Epic of Creation (Enūma Elish),’ ‘Atra-Hasis,’ ‘Gilgamesh,’ & ‘The Birth Legend of Sargon of Akkad,’ in William Hallo & K. Lawson Younger (eds.), The Context of Scripture, vol. 1: Canonical Compositions from the Biblical World (COS1), (Leiden – New York – Köln: Brill): 390-402, 450-453, 458-461.
Gray, John
1985 Near Eastern Mythology (Revised Edition, Library of World’s Myths and Legends, New York: Peter Bedrick Books).
Guillaume, Philippe
2005 The Bible in Its Context: An Inquiry into Its Formation (Beirut: Naufal).
Ghantous, Hadi
2014 The Elisha-Hazael Paradigm and the Kingdom of Israel: The Politics of God in Ancient Syria-Palestine (Abingdon: Routledge).
Harrison, Roland K.
1979 ‘Bible’, in Geoffrey W. Bromiley et als. (eds.), The International Standard Bible Encyclopedia, vol. 1 (Fully revised; Grand Rapids: William B. Eerdmans Publishing Company): 482-492.
Knauf, E. Axel
2000 ‘Does ‘Deuteronomistic Historiography’ (DtrH) Exist?’, in Albert de Pury; Thomas Römer and Jean-Daniel Macchi (eds.), Israel Constructs Its History: Deuteronomistic Historiography in Recent Research. (Journal for the Study of the Old Testament, Supplement Series, 306; Sheffield: Sheffield Academic Press): 388-398.
Knauf, E. Axel & Philippe Guillaume
2016 A History of Biblical Israel: The Fate of the Tribes and Kingdoms from Merenptah to Bar Kochba (Bristol: Equinox).
Koehler, Ludwig & Walter Baumgartner et als.
1994-2000 The Hebrew and Aramaic Lexicon of the Old Testament, vols. 1-5, (Leiden – New York – Köln: E.J.Brill).
Liverani, Mario
2007 Israel’s History and the History of Israel (Bristol: Equinox).
2013 The Ancient Near East: History, Society and Economy (Abingdon: Routledge).
Mann, Thomas W.
2011 The Book of the Former Prophets (Eugene, Oregon: Cascade Books).
Migliore, Daniel L.
1991 Faith Seeking Understanding: An Introduction to Christian Theology, (Grand Rapids, Michigan: William B. Eerdmans Publishing Company).
Murphy, Roland E.
1992 ‘Wisdom in the OT,’ in D. N. Freedman (ed. in chief), The Anchor Bible Dictionary, vol. 6, (New York – London – Toronto – Sydney – Auckland: Doubleday), 920-931.
Nissinen, Martti (ed.)
2000 Prophecy in Its Ancient Near Eastern Context: Mesopotamian, Biblical, and Arabian Perspectives (Atlanta: Society of Biblical Literature).
Perdue, Leo
2007 Wisdom Literature: A Theological History (Louisville: Westminster John Knox Press).
Raheb, Mitri
2014 Faith in the Face of the Empire: The Bible Through Palestinian Eyes (Maryknoll, New York: Orbis).
Rahlfs, Alfred (ed.)
1949 Septuaginta: Id est Vetus Testamentum Graece Iuxta LXX Interpretes (3rd edition, Stuttgart: Privileg.Württ.Bibelanstalt).
Römer, Thomas
2005 The So-called Deuteronomistic History: A Sociological, Historical and Literary Introduction (London: T&T Clark).
Sitterly, Charles F. & J. Harold Greenlee
1988 ‘Text and Mss of the NT’, in Geoffrey W. Bromiley et als. (eds.), The International Standard Bible Encyclopedia, vol. 4 (Fully revised; Grand Rapids: William B. Eerdmans Publishing Company): 814-822.
Soderlund, Sven K.
1988 ‘Text and Mss of the OT’, in Geoffrey W. Bromiley et als. (eds.), The International Standard Bible Encyclopedia, vol. 4 (Fully revised; Grand Rapids: William B. Eerdmans Publishing Company): 798-814.
Wellhausen, Julius
1899 Prolegomena zur Geschichte Israels (5th edition, Berlin).
RECENT POSTS
فداء الخليقة في الكتاب المقدَّس
فداء الخليقة في الكتاب المقدَّس المونسنيور د. أنطوان مخايل RECENT POSTS
البيئة في الكتاب المقدَّس
البيئة في الكتاب المقدَّس الدكتور دانيال عيّوش RECENT POSTS
المواطنة في وطنَين: أرضيّ وسماويّ
المواطنة في وطنَين: أرضيّ وسماويّ الخوري د. سامي نعمة RECENT POSTS