كتب مسيحية باللغة العربية

الكتاب المقدس والعنف: الدين والعنف

القس الدكتور عيسى دياب

(محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 23/2/2018)

تمهيد

لا يخفى على أحد أن الكتاب المقدس العبري (العهد القديم في المسيحية)، والعهد الجديد إلى حدٍّ ما، يحتويان على نصوص تحمل في طياتها صور عنف. هناك أخبار معارك تسيل فيها سيول من الدماء وتجري بأمر الله أو برضى منه. وفي بعضها، نجد الله يأمر بقتل أحد الأشخاص، أو القيام بإبادات بشرية، يسبّب الأمراض والأوبئة التي تقتل الألوف من البشر.

هناك أمران يتعلقان بصورة الله والعبادة، نرى فيهما القسوة والبطش: النظام الذبائحي، وتطبيق الشريعة، وغضب الله. الذبائح التي تُقدَّم إلى الإله هي بحد ذاتها ممارسة عنفية بحق الحيوانات التي تُذبح. فما ذنب الحيوان لكي تُهرق حياته بدلًا عن الإنسان؟ ومن هو هذا الإله الذي لا يغفر الذنب إلا بسفك دم حيوان لا ذنب له غير أنه ضعيف لا يقوى على مقاومة بطش الإنسان. هناك تعاليم تتعلق ببعض الشرائع وتطبيقها، فنرى الله، بلسان أنبيائه، يهدد الناس بعقاب شديد إن لم يحسنوا، أو توانوا في، تطبيقها. أما “غضب الله” فقد أودى بألوف الضحايا، فقط لأنهم لم يعلموا كيف يتعاملون مع الإله بالطريقة السليمة، أو لأنهم ضعفوا فاقترفوا شرًا، أو عبّروا عن ضيقهم من جراء وضع صعب، فكان تعبيرهم قاسيًا، لكن هذا “الإله الغضوب” كان أقسى.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أخبار عن “عنف منظّم” يقوم الله عليه أو ينظّمه بنفسه ويديره. وفي هذا “العنف المنظم” أطر يمارَس فيها العنف، منها الحروب المقدسة، وتقديم الأضاحي البشرية والحيوانية، والعقاب الإلهي، وفي هذه الأطر يمارس القتل والبطش والاغتصاب والتنكيل.

لهذه النصوص المقدسة تاريخ طويل من القراءة والتأويل، من داخل الديانات الإبراهيمية أو من خارجها، وحتى من أبناء الثقافات الأخرى. ومنها ما ينطوي على محاولات تبرير، ومنها انتقاد واستنكار، ونوع ثالث يدفع هذه النصوص نحو قراءة رمزية روحية.

على أثر أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011، كثرت الكتب والمقالات التي تتكلم عن “العنف الديني”، وعلى الرغم من أن مدبري هذه الأحداث ينتمون إلى الإسلام، إلا أن عددًا من الكتب تناول موضوع العنف في المسيحية وبالتحديد العنف في الكتاب المقدس. وكمساهمة في التفكّرات العديدة حول العنف الديني في  الديانات الإبراهيمية التي أعقبت الحدث، كتب جون كولينز (John J. Collins) كتابًا قصيرًا بعنوان “هل يبرّر الكتاب المقدس العنف؟”[1]. يستعرض كولينز، في كتابه مقاطع من الكتاب المقدس يصف فيها العنف الذي ارتكبه الله، حسب ظنّه، أو أمر به الله أو توعّد به، وقام به الناس؛ وكذلك كيفية استخدام هذه النصوص من قبل المتديّنين والحكومات عبر التاريخ لتبرير أعمال عنف قاموا به من أجل مصالح اقتصادية أو سياسية. وعلى سبيل المثال، يناقش الكاتب حدث الخروج من مصر، بحسب سفر الخروج، وغزو بلاد الكنعانيين الذي تلاه، كما  في سفر يشوع، كوجهين لعملة واحدة.  وبحسب الكاتب، لقد أحيت قصة الخروج الأمل في قلوب آلاف الشعوب المستَعمَرة على مدى آلاف السنين، وأصبحت نموذجًا يُحتذى به لعدد كبير من حركات المطالبة بالحقوق المدنية. في الوقت نفسه، أشار الأشخاص الذين يتعاطفون مع “إسرائيل المحرَّرة” من مصر، “المدعومة من الله” إلى  فتح كنعان، إلى تبرير أفعال تتراوح بين الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية والفصل العنصري قامت بها شعوب معينة. ويخلص كولينز إلى أن الكتاب المقدس يتحدث بأصوات عديدة، ويلبي مطالب أناس عندهم نهم إلى شن الحروب وسفك الدماء، فكتب:

 “…. تاريخيًا، استدعى الناس الكتاب المقدس على وجه التحديد، بسبب سلطته الإلهية المفترضة والتي تعطي هالة من اليقين لأي موقف يمكن أن يظهر لدعمه – في عبارة هانا أرندت، ‘يشبه الله اليقين الذي يوقف كل النقاش. وهنا، أود أن أقترح، أن الرابط الأساسي بين الكتاب المقدس والعنف، أكثر أهمية من أي أمر أو تعليم يحتوي عليه …. لقد ساهم الكتاب المقدس في العنف في العالم على وجه التحديد لأنه تم تقديمه لمنح درجة من اليقين الذي يتجاوز النقاش والحجج البشرية”.[2]

يكتب كولينز بصفته عالِمًا مسيحيًا، ويشير أيضًا إلى أنه:

” ليس من غير المعتاد أن يدّعي المفسّرون المسيحيون أن “شهادة الكتاب المقدس للضحايا الأبرياء ولإله الضحايا تزيل الغموض عن النظام الاجتماعي المقدس الذي يرتكز عليه العنف، وتفكك ألغاز الميثوس فيه. إن مثل هذه القراءة الانتقائية، التي تميز موت يسوع أو “خادم الرب المتألم” [فتنزع عنهما صفة العنف]، هي بالتأكيد ممكنة بل جديرة بالثناء، ولكنها لا تُبطل قوة التأييد الكتابي للعنف الذي أوليناه اعتبارنا، لا يزال الشكل القانوني  للكتاب المقدس المسيحي المستخدم في الكنيسة، والذي يحظى بالقبول، يختتم بمشهد الدينونة في سفر الرؤيا، حيث يعود الحَمَل المذبوح بمظهر المحارِب السماوي، ويحمل السيف بيده لضرب الأمم “.[3]

ريجينا شوارتز (Regina Schwartz) هي من بين أولئك الذين يسعون لإعادة تكوين الرؤية المسيحية وصورة الكتاب المقدس بطرق تقلل من العنف الذي وصفته على أنه ناشئ عن اختراع إسرائيل القديمة للتوحيد وبعض الطرق التي تصورها الإسرائيليون القدماء عن أنفسهم فيما يتعلق بهذا الإله الواحد وبالشعوب الأخرى، والتي ورثها المسيحيون. وكتبت:

“الآخر، الذي تكوّنت هوية إسرائيل القديمة على نقيضه، هو كريه، مُهين، نجس. وقد تمّ، في العهد القديم، طمس أعداد كبيرة منهم، بينما في العهد الجديد، قد تمّ استعمار (تحويل إلى المسيحية) أعداد كبيرة من الناس. إن ربْط الهوية برفض الآخر المختلف يتعارض مع الكثير من الدوافع التي يمكن العثور عليها في أي مكان آخر، سواء في الكتاب المقدس أو من خلال الأساطير والطقوس الدينية، من أجل صياغة الهوية على أساس المقارنة والقياس مع الآخر، وحتى بالتماهي معه …. من بين مجموعة متنوعة غنية من المفاهيم، أود أن أصنّف مفهومين واسعين للهوية في الكتاب المقدس: أحدهما قائم على النفي (أو الندرة) والآخر في التعددية (أو الوفرة)”.[4]

طرحت شوارتز، في كتابها، رؤية جديدة للدين والمسيحية والله والكتاب المقدس أعادت تكوينها من خلال اختباراتها وأبحاثها، أرادتها بديلًا عن الرؤية التقليدية التي كانت قد أخذتها عن مجتمعها وتربيتها. ونحو نهاية كتابها، كتبت:

“إن من شأن إعادة تكوين رؤيتي إنتاج كتاب مقدس بديل ينقض الرؤية السائدة القائمة على العنف والندرة واستبدالها برؤية مثالية مبنية على الوفرة، وضرورة أخلاقية طبيعية تقوم على العطاء والسخاء. وسيكون كتابًا مقدسًا يحتضن التعددية بدلًا من التوحيد”.[5]

لا نعتقد أن شوارتز، برؤيتها الجديدة، تنسف التقليد التوحيدي عن بكرة أبيه وتعود إلى تعدّد الآلهة، بل هي ترفض “وحدة الصورة” في التوحيد نفسه. إن الإيمان التوحيدي ليس عقيدة لاهوتية فحسب، بل هو خلاصة فكرية إنسانوية، أي أن كل صفات الألوهة التي كانت متوزعة على عدة آلهة هي موجودة حتمًا في إله واحد وما الإنسانوية إلا صدى في الإنسان لألوهة الإله. نعتقد أن شوارتز تتكلم عن تعدد الصور وتنوعها في الإيمان التوحيدي، وهذا برأينا قمة الرقي الإنساني.

يلاحظ ستيفن جيلر (Stephen Geller) أن كلًا من مؤلفي التقليد التثنوي والتقليد الكهنوتي[6]، الذين كانوا ناشطين في العصر المحوري من تاريخ إسرائيل، كانوا يعيدون تقييم تقاليدهم ويعيدون صياغتها على ضوء حاضرهم، على غرار جيرانهم، باستخدام الوسائل الأدبية المتاحة لهم. لقد عبّر مؤلفو التقليد التثنوي عن مفاهيمهم الجديدة حول سمو الله وقوته عن طريق الأفكار والشرائع المرتبطة بموضوع الوحدة في الوحدانية – وحدانية الله، الذي يعبد في معبد واحد (الهيكل) في مدينة الإله الواحد، أورشليم، من قِبَل شعب واحد، يتم الحفاظ عليه متميزًا عن بقية شعوب العالم، تمامًا كما هو الله؛ بغيرة وعنف شديد.[7] بالمثل، قام مؤلف التقليد الكهنوتى بتكييف الأساطير والطقوس الخاصة بالشرق الأدنى القديم وتقاليد بني إسرائيل القديمة لتكوين معانٍ جديدة تتجانس مع الإيمان التوحيدي، للذبائح الدموية، تختلف عن المعاني التي كان يعتمدها جيرانهم لذبائح مماثلة، وبالتحديد، الذبائح التي كان يقدمها رئيس الكهنة في يوم الكفارة، من ضمن تفاصيل طقوس تنم عن خطورة؛ فعندما كان على رئيس الكهنة أن يدخل قدس الأقداس، كان يمثل في محضر الله، وكان الموقف لا يخلو من الخطورة، فأي عمل غير مطابق تمامًا لمتطلبات الشريعة يشكل خطرًا جسيمًا على رئيس الكهنة نفسه. لقد حاول المؤلفون الكهنوتيون أيضًا التعبير عن تعالي الله ووحدته، وهو لا يزال في علاقة مع الإنسانية بكل خطاياها المتغيرة. في قراءة جيلر، ليس لدم الأضاحي مفعول سحري، وليس الحيوان بديلًا عن الأضحية البشرية؛ بدلًا من ذلك، يُعَدّ الدم تعبيرًا عن عنف العالم الساقط الذي يقتل فيه الناس بعضهم من أجل تناول الطعام نظرًا لندرة الموارد وأنانية الإنسان (على عكس جنة عدن حيث كل شيء متوفر للجميع) ويصبح الدم نفسه وسيلة للخلاص. أما حظر أكل دم الأضحية، فهو دليل على ضرورة ضبط النفس والاعتراف بقيمة الحياة التي ينطوي عليها الدم، ويتم تقديمه بدلًا من ذلك إلى الله؛ وفي هذا العمل، تتم استعادة العلاقة بين الإنسانية الساقطة والله. يؤكد مؤلفو التقليد الكهنوتي على أهمية كل هذا من خلال التذكير بالخطر المميت الذي يواجهه الكهنة في لقائهم مع الله عندما يقومون بخدمتهم. نرى ذلك في قصة موت الكاهنَين ابني هرون، ناداب وأبيهو، عندما رفض الله استخدامهما “نارًا غريبة” في إشعال مجمرتيهما وتقديم البخور له، فجاءت نار من عند الرب وأكلتهما (لاويين 10: 1-7).[8] إن إحدى النتائج الموثقة في هذا العمل (التقليد الكهنوتي) هي إبراز إله ذي جوانب مرعبة وأخرى قوية. ويستشهد جيلر بما كتبته آني ديلارد (Annie Dillard) واصفة الخدمة الكنسية في صباح أحد أيام الأحد:

“الكنائس هي شبيهة بأطفال يلعبون على الأرض بمواد كيميائية خاصة بهم، فينتجون بعضًا من مادة تي إن تي لاحتفال قتلٍ صباح أحد أيام الأحد، ومن الجنون أن ترتدي السيدات قبعات من القش أو قبعات مخملية عندما يحضرن إلى الكنيسة؛ يجب أن نرتدي جميعًا خوذات للحماية. وعلى المؤشرين أن يرشدونا إلى سترة النجاة بواسطة أضواء وإشارات ونحن في مقاعدنا، لأن الإله النائم قد يستيقظ في يوم من الأيام ويصيبنا بالأذى، أو قد يدفعنا الله المستيقظ إلى حيث لا يمكننا العودة”.[9]

لا شك أن جيلر يؤسس فهمه للنصوص البيبلية على قراءة حرفية. وننصحه بدرس مقررات علم الفسارة والتأويل (الهرمينوطيقا). فالصور الكلامية في النصوص المقدسة لا تؤخذ بحرفيتها. فإذا صادفنا وصفًا لله يصارع قوى المياه الأولية، كما في قصة الخليقة (تكوين 1)، لا يعني أن الله “بطل” من أبطال الميثولوجيا اليونانية، يظهر بطولاته من خلال حروبه مع قوات لا يقوى عليها البشر. إن لهذه الصورة معنًى راقيًا، فبالخلق المنظم والكامل الدقة، يتغلب الله على الفوضى الكونية الكائنة في العدمية من حيث يخرج، بقوته، ومخلوقيته، ومحبته كيانًا منظمًا كامل الدقة في كل تفاصيله. إن مشكلتنا مع كل الذين يقرأون الكتاب المقدس بحرفية، مركزين على مادية الصور الكلامية، هو أنهم أسروا أنفسهم في سجن الحرفية فخرجت معهم معانٍ مادية تنم عن الحروب والصراعات والعنف، ويجدون أن لله دورًا فيها بحسب صورة النص المادية أو الحرفية.

يصف إيفان فاليس (Evan Fales)، أستاذ الفلسفة، مبدأ التكفير البدلي، الذي يستخدمه بعض المسيحيين لفهم موت المسيح، على أنه “ضار من الناحية النفسية” و “لا يمكن الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية”. وجد فاليس حجته حول تصريح الفيلسوف جون لوك (John Locke) بأن الوحي يجب أن يتوافق مع فهمنا. ويستشهد فاليس بما يقول الفيلسوف والبروفيسور ألفين بلانتنجا (Alvin Plantinga): إن هذا يعتمد على رؤيتنا الله كنوع من البشر الموهوبين بشكل خاص.[10] نعم إن مشهد الله الآب، الذي لا يرضى أن يُخلّص الإنسان إلا بموت ابنه، ولا يُهدئ من موجة الغضب عنده إلا رؤية دم ابنه المسفوك على الصليب، لهو مشهد مقزز لا يقبله العقل البشري. نحن نأسف لوجود بعض الشروحات التي تصور الفداء في المسيحية على هذه الشاكلة، ونأسف لوجود لاهوتيين مسيحيين يأخذون بهذا الفكر. الموضوع أبعد من هذه المادية الجارحة. عمل الخلاص ليس عبارة عن أب يفرح بأن يرى الشر يقتل ابنه، هذا هراء. الخلاص هو ابن يعطي نفسه طوعًا محبة في أحبائه عندما يصبح الموت أمرًا لا مفر منه.

غالبًا ما تؤدي المناقشات حول الكتاب المقدس والعنف إلى مناقشات حول الثيوذيكية (theodicy)[11]. فبعض المؤمنين الغيارى يقدّمون نفوسهم “بجهل” للدفاع عن الله وتبرئته حيال الشر الموجود في العالم. أو يلجأون إلى تفسير النص المقدس بطرق سطحية يرفضها العقل السليم. هؤلاء يقرأون النصوص بحرفيتها أيضًا، ويعترفون بقوالبها العنفية، لكن يتسلحون بحرية الله وحكمته الفائقة وتنزيهه عن المساءلة، فمن نحن حتى نسأل الله عن تصرف ما؛ وينادي هؤلاء بضرورة قبول الأمور في النص المقدس على حالها. وفي هذا السياق، تعتقد الفيلسوفة إليونور ستامب (Eleonore Stump) إن السياق الواسع الذي يسمح الله فيه بالعنف والمعاناة لأغراض صالحة، في عالم يكون فيه الشر واقعًا، يسمح بتبرير أحداث مثل قتل أولئك الذين ينوون الشر مع البقاء على الإيمان بصلاح الله.[12] لكن، الا يجدر بهذه الفيلسوفة أن تتكلم عن محاولة الله اصلاح هؤلاء الأشرار بدلًا من أن يبيدهم؟ ألم تقرأ عشرات النصوص في الكتاب المقدس أن الله لا يفرح بموت الخطاة بل بخلاصهم، وبأن الله لا يريد موت الخطاة بل خلاصهم؟

نعتقد بأنه لا يمكننا حل لغز العنف في الكتاب المقدس إلا إذا غيّرنا نظرتنا إلى “الوحي” أو “الإعلان الإلهي”، من القوالب التقليدية القديمة إلى الشروحات الإنسانوية الحديثة. يحق للمؤمن أن يؤمن بأن الكتاب المقدس وحي إلهي، لكن لا يحق له أن يستخف بالعقول البشرية ويلصق العنف بإله المحبة. تكوّن الكتاب المقدس كنتيجة مشاركة بين الله والإنسان. فالله أوحى، وليس أملى، والإنسان كتب وألّف وليس نقل. إن كل مقاطع العنف في الكتاب المقدس الملصقة بالله ما هي إلا تصورات بشرية عن الله، وإقحام الله في طبيعة البشر العنفية من أجل تبرير هذا العنف. لقد فهم الإنسان الله بشكل مختلف في كل حقبة من تطوره الفكري، وكانت معرفته لله متصاعدة وصولًا إلى الإعلان التام عن الله في يسوع المسيح بحسب إيمان المسيحيين.

انطلاقًا مما تقدم، عمل جون ليفنسون (Jon Levenson) على حل مشكلة الشر في العالم، والعنف في الكتاب المقدس، من خلال وصف قوة الله ليس الثابتة غير المتغيرة، بل المتكشّفة مع الوقت، فكتب:

“إن الانقسام المنطوق، بالتالي، ليس بين المحدودية والقدرة الكاملة، ولكن ما يكمن بين القدرة الكلية الثابتة المنكشفة أبدًا، والقدرة الكلية المتكشفة بشكل دراماتيكي: قوة الله المطلقة التي تدرك نفسها بالإنجازات والعلاقات. إن ما يشترك به اللاهوت البيبلي للقدرة الكلية الدرامية مع لاهوت الإله المحدود هو اعتراف صريح بنكسات الله، على عكس النظريات الكلاسيكية للثيوديكية مع التزامها المبالغ فيه بعدم جواز التعرض للإله، وميلهم إلى وصف النقص فقط كنتيجة للإرادة الحرة للإنسان، أو تمرد المادة، أو ما شابه”.[13]

إن صورة الله غير المنظور، في الأزمنة التي سبقت التجسد، هي عند الله وحده وليس عند أي بشر. وكل “الصور الكتابية” عن الله، في كتب العهد القديم، أو في الفكر الإسرائيلي القديم، أو الفكر اليهودي الفارسي الهلليني لهي صور نسبية، فيها مساهمات كبيرة من تصورات البشر وفهمهم. كان يلزم التجسد ليخبرنا ابن الله المتجسد، بأقواله وبأعماله، من هو الله. إن الفكر البشري في تطور مستمر، وهو يترقى من المادية إلى التجريد. لذلك، فصور العنف تأتي في الأسفار الأكثر قدمًا، بين الأسفار التي تكوّنت في الحقبة الهللينية، حين ترقى فكر البشر، أصبح العنف فيها بدرجة أقل. ومن يرى أن سفر الرؤيا لا ينسجم مع ما نقول، نقول له بأن سفر الرؤيا هو صورة العنف الذي كان يُمارَس بحق الكنيسة المضطهَدة.

بالتوقف عند ظاهر النص، لا نستطيع إلا أن نبرر هؤلاء المفكرين حيال ما قالوه عن الكتاب المقدس. فلا أحد يمكنه إنكار وجود نصوص، في الكتاب المقدس، تدعو إلى العنف، أو تتضمن أحداثًا فيها عنف، أو تصور الله على أنه إله يرى بالعنف أو يأمر به. لكن، من جهة أخرى، نسأل: ألم يعِ الذين عملوا في تكوّن النصوص المقدسة هذا الأمر؟ بالتأكيد وعوا! سؤال آخر يتبعه؟ لماذا لم يحاولوا إخفاء هذه النصوص، أو تعديلها بتهذيبها وبنزع العنف عنها؟ هل لأنهم يؤمنون بهذا “العنف الإلهي” أو هذا الإله “العنيف والمعنِّف”؟ لا بدّ إذًا أن معنى هذه الصور “العنفية” في النصوص المقدسة يتجاوز الصورة المادية إلى معانٍ سامية، ومهمة المفسر والقارئ التوصل إلى هذه المعاني السامية وليس التوقف عند حرفية العنف. تشعر إيلين ديفيس (Ellen Davis)، الاختصاصية بعلوم العهد القديم، بالقلق إزاء ما تسميه “قراءة سطحية” للكتاب المقدس، خاصة نصوص العهد القديم المتعلقة بالعنف، والتي تُعَرِّفُها بأنها “قراءة لما نعتقد أننا نعرفه بالفعل بدلًا من محاولة التعمق أكثر في القراءة للحصول على رؤى وكشوف جديدة. ” وهي تقول إن هذه النصوص الصعبة تحتوي عادةً على عوامل تصحيحية من النص نفسه، ما يدعم القراءة التربوية.[14]

نحن لا نحاول، في هذه المحاضرات (الكتاب) أن نبرّئ الكتاب المقدس من تهمة العنف التي ألصقها به كل قارئ سطحي ربما لغرض الدفاع عن العنف “المقدس” في الديانات الوثنية القديمة، أو في ديانات حية، أو في أنانيات البشر. نحن نحاول فقط أن نساعد قارئ الكتاب المقدس أن يحصل على مفاتيح القراءة، فيتوصل بنفسه إلى الكشف عن المعاني العميقة الموجودة وراء صور العنف في النصوص. وهنا نود أن نكرر ما قلناه في مناسبات عديدة: “المشكلة ليست في النص، بل في مَن يفسّر النص”. إن داخل القارئ ينطبع على ما يقرأ، فيقرأ في النص ما يريد أن يفهمه. لذلك، فمحب العنف، يبحث دائمًا عن المقاطع التي تتكلم عن العنف في النص المقدس، ويبرزها، يذهب في تفسيرها غالبًا إلى ما ليس هو المعنى الحقيقي، بل المعنى الذي يتوخاه.

لا أريد أن أحل محل المحاضرين في شرح هذا الموضوع، ولا أريد أن أستبق الخلاصات البحثية والفكرية الإنسانوية، لأننا سنبنّد هذه الخلاصات في خلاصة عامة نضعها في آخر الكتاب. بل نود أن نقول أننا نظمنا هذه المحاضرات، وحرصنا على نشرها بهدف إنتاج مساهمة بسيطة في حقل الدراسات الكتابية على أساس الإيمان بالوحي، ولمساعدة القارئ على التخلص من القراءات الحرفية التي هي المدماك الأول في بناء الأصولية الدينية الهدامة، التي، وإن كان لا طائفة لها، هي في كل طائفة ودين. كفانا سفك دماء باسم الله والدين في هذا الشرق، متسلحين بالنصوص المقدسة، تعالوا نخلّص هذه النصوص من براثن العنفيين الذين يستغلونها، وخاصة من خبث الاستغلال السياسي للدين وسلاح التفاسير اللاإنسانوية للنصوص المقدسة. الله مصدر المحبة والسلام. وينبغي علينا جميعًا “تخليص” هذا الإله من العنفيين المشوهين لصورته.

المقدّمة

يصف تشارلز سيلنغوت (Charles Selengut) عبارة “الدين والعنف” بأنها تحتوي على “تناقض”، مؤكدًا أنه من المفروض، والمُعتقد عامة، أن يكون “الدين” معارضًا للعنف، وأن يكون قوة دفع للسلام والمصالحة، بيد أنه يُقِرُّ بأن “التاريخ والكتابات المقدّسة لأديان العالم تحتوي على قصص تنصّ على ممارسة العنف والحرب حتى وهي تتكلم عن السلام والمحبة “.[15]

من المفروض أن تكون الديانات قد وُجدت لخير البشرية، كانت هي السبب في شنّ حروب دامية، حتى توأم اللادينيون بين العنف والدين، وولد مصطلح “الحروب الدينية”، وأطلق كارل ماركس مقولته المشهورة “الدين أفيون الشعوب”.

الحروب الدينية هي بين أشرس الحروب في التاريخ. امتدّت على مساحة الكرة الأرضية، وعلى الأخص حيث الدين يحتلّ مرتبة عالية في حياة الشعوب، وحصدت عددًا كبيرًا من الضحايا، وخلّفت كمية كبيرة من الخراب، وكانت وراء تهجير الملايين.

أولًا: تعريف العنف الدينيّ

نحاول، فيما يلي، أن نقدّم تعريفًا للدين، والعنف والعنف الديني كما نقصده في هذه المحاضرة.

1. ما هو الدين؟

بمنهجية الإيمانيات، الدين عطية إلهية لتنظيم الحياة الروحية والأخلاقية عند الإنسان. أما بمنهجية علم الاجتماع أو تاريخ الأديان، الدين مفهوم معقّد ومثير للإشكاليات.[16] لا يوجد إجماع علمي حول ما هو الدين.[17] بشكل عام، يعتبر الدين تجريدًا يستتبعه إيمانيات، ومعتقدات، وأماكن مقدّسة، على الرغم من أن الثقافات القديمة، التي أنتجت الكتب المقدسة (مثل الكتاب المقدس والقرآن وغيرها)، لم يكن لديها مثل هذا المفهوم في لغاتها أو في تاريخها.[18]

وقد أظهرت عقود من الأبحاث الأنثروبولوجية والاجتماعية والنفسية أن الافتراض بأن المعتقدات الدينية والقيم تتكامل بشكل صارم في عقل الفرد أو أن الممارسات الدينية والسلوكيات تتبع مباشرة من المعتقدات الدينية، هي في الواقع نادرة. والأفكار الدينية الشعبية مجزأة وضعيفة الترابط، وتتوقف على السياق كما هو الحال في جميع مجالات الثقافة والحياة الأخرى.[19] إلا أننا نرى أن الأمر يتعلق بمدى انغماس المجتمع في الدين، وماهية الممارسة، شعبية أو تقوية أو عقلانية. لذا، فالأمر يختلف من مكان إلى آخر ومن سياق إلى آخر. ففي الشرق الأوسط، حيث للدين أهمية، والانتماء الديني يشكّل الهوية الاجتماعية للفرد، المعتقدات الدينية تؤثر على القيم بشكل واضح، وسلوك الفرد مصبوغ بممارساته الدينية. ونلاحظ أنه في الاحتفالات الدينية القومية يختلط الديني مع الدنيوي لكن يبقى الديني هو المهيمن.

الدين منظومة اجتماعية غرضها تنظيم الظاهرة الدينية في الإنسان. الدين هو محاولة إنسانية لشرح الظواهر الحدسية غير المرئية، والمجهول، وما لا يمكن تصوره، والإلهي والمقدس. تتمحور هذه المنظومة حول إيمان بوجود وحي من الله أتاه نبي أو رسول. يخرج عن هذا الوحي مجموعة عقائد حول الإيمان بالإلهيات، ونظام قيم أخلاقية واجتماعية ومسلكية. ويُفعّل هذا كله في نظام عبادة تضعه الجماعة. وفي كل دين عنصر إيماني يُعبّر عنه بصور ومفاهيم عبادية ناتجة عن ثقافة الجماعة ولغتها.

2. ما هو العنف؟

“العنف” مفهوم واسع جدا، ومن الصعب أيضا تعريفه. ذلك لأنه يمكن استخدامه ضد الأجسام والكائنات غير البشرية.[20] وعلاوة على ذلك، يمكن للمصطلح أن يدل على مجموعة واسعة من التصرفات السلوكية مثل سفك الدم، وإلحاق الضرر المادي بالأشخاص والأشياء، والإرغام على سلوك معين بانتهاك الحرية الشخصية، سلوك تعنيفي أو تواصل تعنيفي (قدح وذم وتجريح)، أو التعنيف بالاستسلام لعواطف غير منضبطة مثل الغضب والاحتقار.[21]

عناصر العنف:

  • تقييد الحرية
  • استعمال الإرغام
  • الذل المعنوي
  • الأذى الجسدي

العنف الذي تمارسه السلطة لإرساء النظام هو عنف إيجابي إذا احتُرمت الكرامة البشرية في كل مراحل التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الأحكام.

الوسائل المستعملة في التعنيف:

  • العواطف: مثل الغضب ونظرات الاحتقار
  • الكلام
  • الأعضاء البشرية
  • الأسلحة: بدءًا بالعصا، والسكين، وصولًا إلى الأسلحة الفتاكة.

3. ما هو العنف الديني؟

العنف الديني هو المصطلح الذي يشمل الظواهر حيث يكون الدين هو موضوع للسلوك العنيف،[22] وتحديدًا، العنف المفتعل أو الناتج عن رد فعل على التعاليم، والنصوص، أو المذاهب الدينية. وهذا يشمل العنف ضد المؤسسات الدينية، والأشخاص، والأشياء، أو عندما تكون دوافع العنف إلى حد ما من قبل بعض الجوانب الدينية للوصول لهدف أو مبدأ من مبادئ المهاجم.

العنف الديني لا يشير حصرًا إلى الأفعال التي ارتكبتها الجماعات الدينية، بل يشمل أيضا الأفعال التي ارتكبتها الجماعات العلمانية ضد الجماعات الدينية. ويدخل هذا في إطار ما هو متعارَف عليه باسم “الرهاب الديني” أو “الفوبيا الدينية”

يُمارس العنف الديني فرديًا أو جماعيًا، وفي هذه الحالة الأخيرة يُسمى “الحرب الدينية” أو “الحرب المقدسة”.

العنف الديني هو ممارسة أحد أشكال العنف وأحد وسائل العنف ضد إنسان، أو حيوان أو شيء كتلبية لمطلب ديني يفرضه نص أو فتوى.

ثانيًا: هل العنف مكوّن من مكوّنات الدين؟

بشكل عام، ينفي الدينيون وجود أي جانب عنفي في الممارسة الدينية. فالديانات أُعطيت رحمة للعالمين ولخيرهم وسعادتهم. إذا كان هذا الأمر صحيحًا، كيف نفسّر الحروب الدينية التي دارت رحاها في التاريخ؟ وكيف نفسّر القتل باسم الله؟ وكيف نفهم أعمال التخريب والتهجير التي تقوم بها بعض الحركات الدينية بمسوّغات دينية؟

إن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل، وأجوبة الدارسين كانت متعددة.

1. الحروب الدينية خيضت ليس لأسباب دينية بل لمصالح سياسية واقتصادية

كثيرا ما تستنتج الدراسات المتعلقة بحالات العنف الديني المفترضة أن العنف مدفوع بقوة بالعداءات الإثنية وليس برؤية كونية دينية.[23] وفي الآونة الأخيرة، شكك العلماء في مفهوم “العنف الديني” ذاته، وفي تبعاته من جوانب دينية أو سياسية أو اقتصادية أو إثنية للصراع وتساءلوا إذا كانت ذات مغزى.[24] بعضهم يلاحظ أن مفهوم “الدين” هو اختراع حديث وليس شيئًا عالميًا عبر الثقافات أو التاريخ، وبالتالي يجعل “العنف الديني” أسطورة[25]. وبما أن جميع حالات العنف والحرب تتضمن أبعادًا اجتماعية وسياسية واقتصادية، وبما أنه لا يوجد توافق في الآراء حول تعريفات “الدين” بين الباحثين، ولا توجد طريقة لعزل “الدين” عن بقية الأبعاد التحفيزية الأكثر احتمالًا، فهو غير صحيح تصنيف أي أحداث عنيفة على أنها “دينية”.[26] وهناك حالات عديدة من أعمال العنف الديني المفترضة، مثل حرب الثلاثين عامًا وحروب الدين الفرنسية والصراع البروتستانتي الكاثوليكي في ايرلندا والحرب الأهلية السريلانكية و حدث 11/9 وغيرها من الهجمات الإرهابية وحرب البوسنة والحرب الأهلية الرواندية، كلها كانت بالأساس بدافع أساسي من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بدلًا من الدين.[27]

في كل ما تقدّم لا نرى أن محاولات العلماء لتبرئة الدين من العنف وإسناده إلى السياسة والاقتصاد كانت ناجحة. نحن لا ننكر الجوانب السياسية والاقتصادية في كل حرب دينية، لكن لا ننكر أيضًا أن المتدينين مدفوعين بعقائدهم الدينية كانوا الأدوات. وهذا يُسمى “الاستغلال السياسي للدين”. كان الدين، وفي كل الأزمان، أرضًا خصبة وسياقًا مؤاتيًا لإشعال نار الحروب وتغذيتها. فدقائق الحروب وتفاصيلها من قبل وذبح وإذلال وتهجير إنما تجري بناء لاجتهادات دينية. ثم من قال أن مفهوم الدين طارئ ويعود فقط إلى القرن السادس عشر في الغرب. الديانات المنظمة موجودة في وادي النيل منذ عهد الفراعنة، في منتصف الألف الثالث ق.م.، وفي وادي الفرات، منذ نهاية الألف الثاني ق.م.

وفي كثير من حالات العنف السياسي، يميل الدين إلى القيام بدور مركزي. وينطبق هذا بوجه خاص على الإرهاب الذي يرى العنف المرتَكَب ضد المدنيين غير المسلحين من أجل إثارة الخوف وتحقيق هدف سياسي. وتقول مارثا كرينشاو، خبيرة الإرهاب، إن الدين مجرد قناع تستخدمه الحركات السياسية للحصول على الدعم. تحدد كرينشاو، في دراسة العنف الديني، مقاربتين لعرض الآليات الكامنة.[28] في المقاربة الأولى، ويطلق عليها “المقاربة الفعالة”، يُنظر إلى العنف الديني كأداة منطقية فعالة لتحقيق غاية سياسية ما. وستساعد زيادة تكاليف أداء هذا العنف على السيطرة عليه كليًا وتوجيهه. أما بموجب مقاربة كرينشاو البديلة، يبدو العنف الديني ناجمًا عن الهيكل التنظيمي للجماعات الدينية، مع رؤساء هذه الجماعات يعملون كخبراء سياسيين. ويشير كرينشاو إلى أن تهديد الاستقرار الداخلي لهذه المنظمات (ربما بتقديم بديل غير عنيف) سيثني المنظمات الدينية عن ممارسة العنف السياسي. وهناك مقاربة ثالثة، يُرى فيها العنف الديني كنتيجة لديناميات الجماعة الدينية، بدلًا من كونه واجبًا دينيًا.[29] ومدارس التفسير، التي يتم تطويرها داخل هذه الجماعات، تسمح بتوفير تفسير ديني يبرّر العنف، وهكذا أعمال مثل الإرهاب تحدث لأن الناس هم جزء من جماعات العنف.[30] وبهذه الطريقة، فإن العنف الديني والإرهاب هما عملان يهدفان إلى إلهام رد فعل عاطفي من جانب كلٍّ من أعضاء الجماعة الدينية، وأولئك الذين من خارجها.

2. رؤية العنف في الدين تعود إلى تفسير الدين بتبسيط مفرط

ووفقًا لماثيو رولي (Matthew Rowley)، فقد ناقش بعض العلماء ثلاثمائة قضية يُعتقد أنها تعود إلى أسباب العنف الديني، إلاّ أنه أشار إلى أن “العنف باسم الله ظاهرة معقدة، والتبسيط المفرط لهذه الظاهرة يزيد من تهديد السلام لأنه يحجب العديد من العوامل المسببة”[31].

من ناحية أخرى، يلحظ ماثيو راولي خمس عشر طرائق لمعالجة تعقيد العنف، العلماني والديني على السواء، ويلاحظ أن الروايات العلمانية عن العنف الديني تميل إلى أن تكون خاطئة أو مبالغ فيها بسبب الإفراط في تبسيط الناس الدينيين ومعتقداتهم، والتفكير في الثنائيات الكاذبة (مثل السلام والعنف) وافتراض وجودها في الدين، وتجاهل الأسباب العلمانية المعقدة للعنف الديني المفترض. ويشير أيضًا إلى أنه عند مناقشة العنف الديني، ينبغي للمرء أيضًا أن يلاحظ أن الأغلبية الساحقة من الناس المتدينين لا لا يلهمهم الدين بالضلوع في العنف.[32]

3. نعم يوجد عنف في الدين لكنه للخير

لا ينفي عدد من الدينيين وجود ممارسة عنيفة في مكونات الدين، لكنهم يدعون بأنه عنف إيجابي وللخير، ويعطون أمثلة على ذلك:

العقاب الإلهي، مع أنه قد يتضمن ممارسة عنيفة، أهدافه تربوية، فهو يهدف إلى تصحيح مسار الإنسان المتعبد ما يعود لخيره على المدى الطويل وخاصة فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الموت.

القصاص الذي تفرضه الشريعة هو قصاص تطهيري، كقول القرآن الكريم: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة البقرة 179).

4. العنف مكوّن من مكوّنات الدين

يعتقد العلمانيون اللادينيون أن العنف مكوّن أساسي في الأديان، وخاصة الساميّة والإبراهييمية (الكنعانية، والمابينهرية، والإسرائيلية، واليهودية، والمسيحية والإسلام). كتب إريك هيكي (Hickey, Eric W.): “إن تاريخ العنف الديني في الغرب يتماهى مع السجل التاريخي لأديانه الرئيسية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، مع ما ينطوي عليه من عداءات متبادلة وصراعاتها للتكيّف والبقاء على قيد الحياة بوجه القوى العلمانية التي تهدّد استمرار وجودها”.[33] وتقول ريجينا شوارتز (Regina M. Schwartz) إن جميع الديانات التوحيدية، بما فيها الديانة المسيحية، هي عنيفة بطبيعتها بسبب التفرّد والانغلاق الذي يعزز العنف ضد أولئك الذين يعتبرون من الغرباء والخارجين عليها.[34] يقول بروس فيلر (Feiler, Bruce S) إن “اليهود والمسيحيين، الذين يُعزّون أنفسهم وبعضهم بعضًا مفتخرين من خلال الادعاء بأن الإسلام هو الدين العنيف الوحيد، يتجاهلون عمدًا ماضيهم، حيث أن الصراع بين الإيمان والعنف يوصَف بالشكل الأكثر وضوحًا وبمعاناة تثير الاشمئزاز، في الكتاب المقدس العبري”.[35]

ثالثًا: مكامن العنف الظاهرة في الدين

لا ندري في أية مرحلة من تاريخ تكوّن الدين دخلت ظاهرة العنف على الدين. لكن نستطيع القول بأن العنف دخل على الممارسة الدينية وتلازم معها، وأصبح من المنظومة العقدية، في مرحلة قديمة جدًا:

  1. في الديانة الطوطمية يقتل العابدون إلههم ويأكلونه في احتفال ليتورجي.
  2. ثم في مرحلة لاحقة، انقلبت الآية، فصار الإله يطالب بقتل أحد عابديه لفداء الجماعة.
  3. وفي مرحلة متقدمة، دخلت مرحلة الذبيحة الحيوانية لتحل محل الإنسان.
  4. في سياق تعدد الآلهة، يمارس العنف كصراع بين الآلهة من أجل التنافس، لكن الآلهة تتصارع بتصارع شعوبها.
  5. في سياق التوحيد، الإله الواحد يريد أن يختصر كل الآلهة بنفسه.
  6. إعتقاد قديم أن كل من يرى الإله أو يسمع صوته يموت.

يقول هيكتور أفالوس (Avalos, Hector) أن الأديان تخلق العنف كوسيلة للحصول على أربعة أمور صعبة المنال: (1) الوصول إلى الإرادة الإلهية، والمعرفة، في المقام الأول من خلال النصوص المقدسة؛ (2) منع لمس الدنيوي الفضاء المقدس؛ (3) الحصول على امتيازات للجماعة الدينية؛ و(4) الخلاص. وليست جميع الديانات لديها هذه الأمور الأربعة أو تستخدمها. ويعتقد أن العنف الديني لا يحضر على وجه الخصوص ما دامت هذه الأمور المستجلبة للعنف لا يمكن التحقق منها أبدًا، ولا يمكن الفصل فيها بموضوعية، خلافًا لأمور مادية أخرى يُعتقد أنها مخيفة مثل المياه والأراضي.[36]

تعتقد ريجينا شوارتز (Regina M. Schwartz) بأن جميع الديانات التوحيدية هي عنيفة بطبيعتها بسبب التفرد والانغلاق الذي يعزز حتمًا العنف ضد أولئك الذين يعتبرون من الغرباء عن الجماعة الدينية أو الخارجين عليها.[37]

نستطيع أن نلخّص مكامن العنف في الدين بالأمور التالية:

  • الفصل بين مساحة المقدّس ومساحة الدنيوي: قصة موسى والعليقة (خروج 3)؛ قصة عزة وتابوت العهد (2صموئيل 6: 6؛ 1أخبار الأيام 13: 9-10)؛ الله يحرق ناداب وأبيهو ابني هارون لمجرد خطأ بسيط، وهو وضعْ نار غريبة في مجامرهما (لاويين 10: 1، 2)؛ منع لمس تابوت العهد والخطر الناجم عنه؛ من يرى الله يموت.
  • التوحيد هو إلغاء الآخر. الله إله غيور.
  • مبدأ الذبيحة.
  • مبدأ العقاب الإلهي الآني (قصة الطوفان)؛ قصة عقاب داود بسبب إحصاء الشعب؛ العقاب الأبدي (الجحيم).
  • العصبية التي تطلب ضم الآخر المختلف أو إلغاءه.
  • مبدأ الاختيار يخلق روح الفوقية لدى المختارين ويولد العداوة بينهم وبين الآخرين (“لا تحبوا العالم…”)
  • مبدأ امتلاك، بل احتكار، الحقيقة المطلقة، ما يضع الآخر المختلف في خانة الباطل المطلق، وهذه روح عداوة وعنف معنوي.
  • إدّعاء الدين ملكيّته الحصرية لحقوق الله على الأرض، أو ملكيّته الحصرية حق الدفاع عن حقوق الله، أو إقامة حدّ الله على الأرض.
  • إدعاء الدين امتلاك حق إقامة العدالة الاجتماعية.

رابعًا: كيف نكوّن الدين اللاعنفي؟

لكي نتخلص من العنف الديني، يقترح بعضهم أن نتخلص من الدين.  يقر ميروسلاف فولف (Volf, Miroslav) بأن “العديد من المعاصرين يرون الدين مرضًا اجتماعيًا ضارًا، يحتاج إلى علاج مُرَكّز، أكثر منه دواءًا ينُتظر منه أن يكون وسيلة للعلاج”.[38] ويعمل هؤلاء على خلق مجتمع لاديني. ويعتقد بعض الملحدين أن تقدّم الحضارة يعتمد على ما إذا كنا قادرين على تجاوز الدين أو التفوق عليه، أو حتى وضعه في خانة الثانويات.

يكفي أن نجيب هنا أنه من المستحيل نزع الدين من الإنسان والمجتمع، فالدين مكوّن من مكوّنات الثقافات الإنسانية، وعنصر من عناصر تكوين الذهنية البشرية.

يرى العلمانيون أن التحرر من العنف الديني ونتائجه الكارثية يكمن في تأصيل العلمانية في المجتمع. ويؤكد بايرون بلاند (Byron Bland) أن أحد أبرز أسباب “صعود العلمانية في الفكر الغربي” كان رد فعل ضد العنف الديني في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويؤكد أن:

 “العلمانية كانت وسيلة للعيش مع الخلافات الدينية التي أنتجت الكثير من الرعب. وتحت العلمانية، فإن الكيانات السياسية لديها إذن لاتخاذ قرارات من دون الحاجة إلى فرض قراءات معينة للعقيدة الدينية الأصيلة. وقد يذهبون بعكس بعض العقائد الأصيلة إذا ما تم ذلك لصالح المصلحة المشتركة. وبالتالي فإن أحد الأهداف الهامة للعلمانية هو الحد من العنف “.[39]

لكن وليام ت. كافانوغ (William Cavanaugh) يعارض هذا الفكر، ويرى  أن ما يسميه “أسطورة العنف الديني” كسبب لظهور الدول العلمانية قد يرجع إلى فلاسفة سابقين، مثل سبينوزا، هوبز، لوك، روسو، وفولتير.[40] يقدّم كافانوغ نقدًا مفصلًا لهذه الفكرة في كتابه بعنوان “أسطورة العنف الديني: الأيديولوجية العلمانية وجذور الصراع الحديث” (The Myth of Religious Violence: Secular Ideology and the Roots of Modern Conflict).

ردُّنا على هذا الاقتراح هو أنه في ظل العلمانية، ارتكب قادة سياسيون مجازر وسبّبوا خرابًا يفوق بكثير ما سبّبته الأديان. ويشير تانر (Ralph E.S. Tanner) إلى أن الأنظمة والقادة العلمانيين استخدموا العنف لتعزيز أجنداتهم الخاصة.[41] وقد تم توثيق العنف الذي ارتكبته (وما زالت ترتكبه) الحكومات والشعوب العلمانية، والمعادية للدين، بما في ذلك العنف أو الاضطهاد الذي يركز على المؤمنين الدينيين وأولئك الذين يؤمنون بالخوارق.[42] وعلى سبيل المثال، في القرن العشرين، أكثر من 25 مليون من المؤمنين الذين لقوا حتفهم من العنف الديني الذي حدث في العديد من دول الإلحاد.[43] وعادة ما يتم استغلال الحماس الأيديولوجي غير الديني واستغلاله بانتظام لدعم الحرب وغيرها من الأعمال العدوانية. الناس الذين يرغبون في شن الحرب والإرهاب سوف تجد طرقًا متنوعة لجمع الدعم. والأيديولوجيات العلمانية لها، وستظلّ على الأرجح، تستخدم العنف والاضطهاد والتلاعب لتعزيز أهدافها الخاصة، مع توافر الدين أو عدم توافره كأداة. الحروب التي هي علمانية في طبيعتها لا تحتاج إلى تأييد ديني على وجه التحديد وتعمل بشكل منتظم مع وبدون دعم الأيديولوجيات غير الدينية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك أمثلة قليلة على الحروب التي تشنّ لأسباب دينية على وجه التحديد.[44] ومن أمثلة العنف والصراعات التي كانت علمانية الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والعديد من الحروب الأهلية (الأمريكية والسلفادورية والروسية والسريلانكية والصينية وغيرها) والحروب الثورية (الأمريكية والفرنسية والروسية وغيرها) وفيتنام الحرب، الحرب الكورية، الحرب على الإرهاب، والصراعات المشتركة مثل عصابات وحروب المخدرات (على سبيل المثال الحرب المكسيكية  ضد المخدرات). في “موسوعة الحروب” من قبل تشارلز فيليبس وآلان أكسيلرود، كانت هناك 1763 حرفًا مدرجة بشكل عام،[45]  منها قد حددت 123 فقط (7٪) بأنها كانت ذات دوافع دينية بالدرجة الأولى.[46] ويشير طلال أسد، عالم الأنثروبولوجيا، إلى أن المساواة بين الدين المؤسسي والعنف والتعصب غير صحيحة، وأنه لا ينبغي إغفال الأعمال الوحشية المدمرة والفظائع التي ارتكبتها المؤسسات غير الدينية في القرن العشرين. ويلاحظ أيضا أن القومية قد قيل بأنها دين علماني.[47]

نرى أن العنف نزعة بهيمية، وكلما عبّرت البهيمية عن نفسها بوعي عقلي ازدادت شراسة. وقد تعبّر البهيمية البشرية عن نفسها بمسوّغات دينية أو إيديولوجية سياسية واقتصادية. وكلما ارتقى الإنسان من البهيمية نحو الإنسانوية خفّ فيه العنف. وأعني بالإنسانوية صورة الله (المحبة والخير المطلق) المتمثلة بالوعي العقلاني الذي يُنظِّم أعمال المحبة والخير، والعدالة والمساواة، والرحمة والغفران، واحترام حقوق الإنسان الطبيعية مثل الحرية، وحق الحياة، وحق الكرامة.

إن غرض الدين الأول هو مساعدة الإنسان على تحقيق هذا الارتقاء في حياته (من البهيمية إلى الإنسانوية). تُعَلِّم كلٌّ من اليهودية والمسيحية والإسلام بأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله. وتعترف بأن الإنسان كسر صورة الله فيه، وشوّهها بسب الأنا وتداعياتها من تعدّيات وطمع وحسد وما يتبعها من شرور. وما الارتقاء إلى الإنسانوية إلا إعادة صورة الله إلى الإنسان أو ترميمها في الإنسان. وتدّعي هذه الديانات امتلاكها نظامًا دينيًا يحقق هذا الارتقاء.

الدين اللاعنفي هو، برأيي، منظومة تعاليم ونظام عبادة خالية من كل أنواع العنف المعنوي أو المادي، وتحترم حقوق الإنسان الطبيعية وتعمل بدينامية روحية إلهية على ارتقاء الإنسان المؤمن من البهيمية إلى الإنسانوية بإعادة صورة الله إليه أو بترميمها فيه.

بصفتي متخصص في تاريخ الأديان، وبعد دراستي لتاريخ الديانات السّاميّة دراسة معمقة استوحيت هذا الطرح ليس من المسيحية أو أي دين آخر، بل من المسيح في كل ما علّم وعمل. كان المسيح قمة في سلسلة من الأنبياء الأخلاقيين الذين أتوا في الديانة الإسرائيلية القديمة واليهودية وديانات أخرى بما فيها الزرادشتية والإسلام وغيرها. هؤلاء الذين اعتمدوا على الخلقية الإلهية في ترقية الإنسان.

  1. فالمسيح احترم الإنسان من أية طبقة كان، وإلى أي مجتمع انتمى، ودافع عن كرامته عندما رآها أنها انتهكت من رجال دين وباسم الشريعة. وأطلق مقولة “السبت للإنسان لا الإنسان للسبت”، لا لتصنيم الشريعة وجعل الإنسان خادمًا وعبدًا لها، بل لشريعة تخدم الإنسان وتحافظ له على كرامته وتعمل على ترقيته. فالأولوية للإنسان، حتى في وجه الشريعة. كان همّ المسيح لا أن يدين، ويحاكم، ويعاقب، بل أن يحترم ويساعد ويقف إلى جانب، ويسند، ويخلّص الإنسان.
  2. المسيح احترم الآخر المختلف ومقدّساته ما دامت تحترم كرامة الإنسان، ودعاه إلى مكان أرقى.
  3. المسيح وبّخ رجال الدين الذين اقترفوا المآثم وعملوا المظالم باسم الشريعة والدين مستغلين سلطتهم الدينية، فوضعوا الإنسان المسكين في أسفل سلم اهتماماتهم.
  4. علّم المسيح عن الله المحبّ، الأب الحنون والأم الرؤوم، وأظهره في حياته وأعماله. لا مكان لصورة الإله الغضوب المعاقب المنتقم في تعاليمه.
  5. لم يمارس المسيح أي نوع من العنف، لا المادي ولا المعنوي، ولم يلجأ لأسلوب الترغيب والترهيب، ولم يدعُ لاستخدام أي نوع من العنف.
  6. علّم المسيح الإيمان بمنحاه الأخلاقي، وليس الدين بمنحاه الشرائعي وقصد بهذا إنتاج إنسان مؤمن يمارس الخلقية الإلهية مستعينًا بالشريعة ما دامت تخدم هذا الهدف، وليس إنسان متدين تمسّك بحرفية الشريعة فصنّمها وعبدها.

[1] McCormick, Patrick (Nov 2005). “Turn the other page“. U.S. Catholic. 70 (11). pp. 34ff. Collins, John J. (2004). Does the Bible Justify Violence? Fortress Press. ISBN 9781451411287. Pp. 1-3.

[2] Collins, John J. (2004). Does the Bible Justify Violence? Fortress Press. ISBN 9781451411287. pp. 32-33.

[3]Collins, John J. (2004). Does the Bible Justify Violence? Fortress Press. ISBN 9781451411287.p. 27

[4] Schwartz, Regina (1997). The Curse of Cain: The Violent Legacy of Monotheism. Chicago, Ill: the University of Chicago Press. Pp. 18-19

[5] Regina Schwartz, Op. Cit. p. 176.

[6] “التقليد التثنوي” و”التقليد الكهنوتي”، إلى جانب “التقليد اليهوهي” والتقليد الإلوهيمي” هي المصادر المفترضة للتوراة في نظرية “التقاليد المصدرية للتوراة” التي أطلقها العالم الألماني ولهاوزن (Wellhausen)  في منتصف القرن التاسع عشر. ولهذه النظرية أشكال مختلفة. وحتى وإن تجاوزها الزمن، ما زالت هذه النظرية أساسًا لنظريات أخرى ظهرت بعدها.

[7] Geller, Stephen A. (1996). Sacred enigmas: literary religion in the Hebrew Bible (1. publ. Ed.). London [u.a.]: Routledge. ISBN 978-0415127714., pp. 22-32.

[8] Geller, Stephen A. (1996). Sacred enigmas: literary religion in the Hebrew Bible (1. publ. Ed.). London [u.a.]: Routledge. ISBN 978-0415127714. Pp. 22-32.

[9] Dillard, Annie (1999). Pilgrim at Tinker Creek (1st Perennial classics Ed.). New York: HarperCollins. ISBN 9780072434170.

[10] Fales, Evan (2011). “Chapter 3: Satanic Verses: Moral Chaos in Holy Writ”. In Bergman, Michael; Murray, Michael J.; Rea, Michael C. (Eds.). Divine evil? The Moral Character of the God of Abraham. Oxford University Press. pp. 91-115. ISBN 9780199576739.

[11] الثيوذيكية هي مسألة تتعلق بكيفية المواءمة بين صلاح الله وجوازه بالشر في العالم: كيف يمكن للشر أن يستمر في العالم إذا كان الله إلهًا كلي الصلاح والقوة. أو هي محاولات تبرئة الله من الشر الموجود في العالم، أو تبرير الله الصالح المحب في سماحه لتفشي الشر في العالم.

[12] Stump, Eleonore (2011). “Chapter 6 the Problem of Evil and the History of Peoples: Think Amalek”. In Bergman, Michael; Murray, Michael J.; Rea, Michael C. (Eds.). Divine evil? The Moral Character of the God of Abraham. Oxford University Press. pp. 91-115. ISBN 9780199576739. Stump, Eleonore (2010). Wandering in Darkness: Narrative and the Problem of Suffering. Oxford: Clarendon Press.

[13] Levenson, Jon D. (1994). Creation and the persistence of evil: the Jewish drama of divine omnipotence (Paperback with revisions of the original edition, first published in 1987 ed.). Princeton, N.J.: Princeton University Press. ISBN 9780691029504. ْ  XVI.

[14] Davis, Ellen F. (2005). Wondrous Depth: Preaching the Old Testament. Louisville, Kentucky: Westminster John Knox Press. Pp. 8-9.

[15] Selengut, Charles (2008-04-28). Sacred fury: understanding religious violence. p. 1. ISBN 978-0-7425-6084-0.

[16]  Morreall, John; Sonn, Tamara (2013). 50 Great Myths of Religion. Wiley-Blackwell. pp. 12–17. ISBN 9780470673508.

[17]  Moreall and Sonn, Op. Cit.; Fitzgerald, Timothy (2007). Discourse on Civility and Barbarity. Oxford University Press. pp. 45–46. Nongbri, Brent (2013). Before Religion: A History of a Modern Concept. Yale University Press. ISBN 030015416X.

[18]  Moreall and Sonn, Op. Cit.; Nongbri, Brent (2013). Before Religion: A History of a Modern Concept. Yale University Press. ISBN 030015416X.

[19]  Chaves, Mark (March 2010). “SSSR Presidential Address Rain Dances in the Dry Season: Overcoming the Religious Congruence Fallacy”. Journal for the Scientific Study of Religion. 49 (1): 1–14. doi:10.1111/j.1468-5906.2009.01489.x.

[20] Houben, Jan; van Kooji, Karel, eds. (1999). Violence Denied: Violence, Non-violence and the Rationalization of Violence in South Asian Cultural History. Leiden; Boston; Köln: Brill. pp. 1–3. ISBN 9004113444.

[21] Ralph E.S. Tanner (2007). Violence and Religion: Cross-cultural Opinions and Consequences. Concept Publishing Company. pp. 5–6. ISBN 9788180693762.

[22]James K. Wellman, Jr and Kyoko Tokuno, “Is Religious Violence Inevitable?”, Journal for the Scientific Study of Religion, 2004. 43 (3): 291. Published also on http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.1468-5906.2004.00234.x/abstract

[23]  Omar, Irfan; Duffey, Michael (Eds.). “Introduction”. Peacemaking and the Challenge of Violence in World Religions. Wiley-Blackwell. p. 1. ISBN 9781118953426

[24] Cavanaugh, William (2009). The Myth of Religious Violence. Oxford University Press US.

[25] Cavanaugh, William (2009). The Myth of Religious Violence. Oxford University Press US; Morreall, John; Sonn, Tamara (2013). “Myth 8. Religion Causes Violence”. 50 Great Myths of Religion. Wiley-Blackwell. pp. 39–44. ISBN 9780470673508.

[26] Cavanaugh, William (2009). The Myth of Religious Violence. Oxford University Press US; Morreall, John; Sonn, Tamara (2013). “Myth 8. Religion Causes Violence”. 50 Great Myths of Religion. Wiley-Blackwell. pp. 39–44. ISBN 9780470673508.

[27] Morreall, John; Sonn, Tamara (2013). “Myth 8. Religion Causes Violence”. 50 Great Myths of Religion. Wiley-Blackwell. pp. 39–44. ISBN 9780470673508. Russell, Jeffrey Burton (2012). Exposing Myths about Christianity. Downers Grove, Ill.: IVP Books. p. 56. ISBN 9780830834662.

[28] Crenshaw, Martha (1987-12-01). “Theories of terrorism: Instrumental and organizational approaches”. Journal of Strategic Studies. 10 (4): 13–31. Doi: 10.1080/01402398708437313. ISSN 0140-2390.

[29] Ekici, S.; Ekici, A. (2009). Building Terrorism Resistant Communities: Together Against Terrorism. IOS Press. ISBN 9781607500063.

[30] Juergensmeyer, Mark (2003). Terror in the Mind of God: The Global Rise of Religious Violence. University of California Press. ISBN 9780520240117.

[31] Rowley, Matthew (2014). “What Causes Religious Violence?” Journal of Religion and Violence. 2 (3): 361–402.

[32] Rowley, Matthew (2015). “How Should We Respond to Religious Violence? Fifteen Ways To Critique Our Own Thoughts” (PDF). Ethics in Brief. 21 (2).

[33] Hickey, Eric W. (2003). Encyclopedia of murder and violent crime. SAGE. p. 217. ISBN 978-0-7619-2437-1.

[34] The Curse of Cain: The Violent Legacy of Monotheism by Regina M. Schwartz. University of Chicago Press. 1998.

[35] Feiler, Bruce S. (2005). Where God was born: a journey by land to the roots of religion. HarperCollins. p. 4. ISBN 9780060574871.

[36] Avalos, Hector (2005). Fighting Words: The Origins of Religious Violence. Amherst, New York: Prometheus Books.

[37] The Curse of Cain: The Violent Legacy of Monotheism By Regina M. Schwartz. University of Chicago Press. 1998.

[38] Volf, Miroslav (2002). “Christianity and Violence“. Retrieved 2010-10-27.

[39] Bland, Byron (May 2003). “Evil Enemies: The Convergence of Religion and Politics” (PDF). p. 4. Archived from the original (PDF) on 2010-12-02.

[40] The Myth of Religious Violence: An Interview with William Cavanaugh on http://muse.jhu.edu/article/426150, retrieved Feb 22, 2018.

[41] Ralph E.S. Tanner (2011). “The Harmful Secular Ideologies“. Ames Tribune.

[42] Rummel, Rudolph J. (1994). Death by Government. Transaction Publishers. ISBN 978-1-56000-927-6. Rummel, Rudolph J. (1997). Statistics of Democide: Genocide and Mass Murder since 1900. Lit Verlag. ISBN 978-3-8258-4010-5. Froese, Paul (2008). The Plot to Kill God: Findings from the Soviet Experiment in Secularization. University of California Press. ISBN 978-0-520-25529-6.

[43] Nelson, James M. (2009-02-27). Psychology, Religion, and Spirituality. Springer. p. 427. ISBN 9780387875729. Retrieved 2012-12-19.

[44]Day, Vox (2008). The Irrational Atheist: Dissecting the Unholy Trinity of Dawkins, Harris, and Hitchens. BenBella Books. ISBN 978-1-933771-36-6. Charles Phillips, Alan Axelrod (2005). The Encyclopedia of War.

[45] Charles Phillips, Alan Axelrod (2005). The Encyclopedia of War.

[46] Day, Vox (2008). The Irrational Atheist: Dissecting the Unholy Trinity of Dawkins, Harris, and Hitchens. BenBella Books. ISBN 978-1-933771-36-6. Sheiman, Bruce (2009). An Atheist Defends Religion: Why Humanity is Better Off with Religion than Without It. Alpha Books. pp. 117–118. ISBN 1592578543.

[47] Asad, Talal (2003). Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity (10. printing. Ed.). Stanford University Press. pp. 100, 187–190. ISBN 0804747687.

RECENT POSTS

المواطنة في الكتاب المقدَّس

المواطنة في الكتاب المقدَّس

المواطنة في العهد الجديد الخوري الدكتور باسم الراعي* (محاضرة قُدِّمت في مركز الدراسات الكتابية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لجمعيّة الكتاب المقدس في لبنان بتاريخ 26/5/2023) مقدّمة القسّ د. عيسى دياب هذه الندوة هي الثانية لسنة 2023، مِن بين ثلاث ندوات، نتناول فيها...

×